خادم الرضا
07-11-2012, 08:44 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلى على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
http://c.shia4up.net/uploads/12864547701.jpg (http://c.shia4up.net/)
ما هي الفرقة الناجية؟
((تأليف الشيخ علي آل محسن)).
تمهيد:
لقد جاءت الأحاديث الصحيحة المروية عن النبي (صلى الله عليه وآله) منذرة بافتراق الأمة إلى فِرَق كثيرة، وتشعّبها إلى طوائف مختلفة، كلها في النار إلا واحدة.
وقد وقع ما أخبر به الصادق الأمين (صلى الله عليه وآله)، فافترقت هذه الأمة إلى فِرَق كثيرة يكفِّر بعضها بعضاً، ويستحل بعضها دم بعض.
وصارت كل فرقة تدَّعي أنها هي الفرقة المُحِقَّة، وأن أتْبَاعها هم الناجون دون غيرهم من طوائف الأمة، وغدت كل طائفة تنافح في إثبات ذلك بكل ما أُوتيت من جهد وقوة، فاختُلقَت الأحاديث الكثيرة التي تنتصر بها كل فرقة على غيرها من الفِرَق، وأُلِّفَت كثير من الكتب المملوءة بالأحاديث الموضوعة المكذوبة على النبي (صلى الله عليه وآله)، وصارت كل فرقة تحتج على غيرها بأقوال تنسبها للنبي (صلى الله عليه وآله)، فزادت الفتنة، وعظمت المحنة، وخفي الحق، وانتشر الباطل، وصار الناس في ظلمة عمياء، إذا أخرج المرء فيها يده لم يكد يراها.
إلا أن الحق لا تختفي أنواره، ولا تندثر آثاره، فأعلامه لائحه، ودلائله واضحة، فإن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة تصدح بالحق وتصدع بالهدى، إلا أن مبتغي الحق يلزمه ألا يتعصّب للمخلوقين، وأن يجانب هواه، وأن يفر من عبادة السادة والكبراء، وينأى عن تقليد الأجداد والآباء.
فإنه إن تجرّد من كل ذلك، وتمسَّك بآيات الكتب العزيز وبالآثار الصحيحة المروية عن سيد الأنام رسول الله (صلى الله عليه وآله) أدرك الحق ووصل إليه، ونال مبتغاه، وحصل على ما يتمنَّاه، فإن الوصول إلى الحق هو غاية الغايات ومنتهى الطلبات، وهو منية كل طالب، ورغبة كل راغب.
فاللازم إذن هو معرفة الفرقة الناجية والطائفة المحِقَّة من كل تلك الطوائف، فما هي هذه الفرقة؟
إن المباحث الآتية ستتكفّل ببيان جواب هذا السؤال، ونحن قد مهَّدنا لمعرفة الفرقة الناجية بالأبحاث المتقدمة، وسنحيل القارئ الكريم إلى ما سبق بيانه فيما مرَّ كلما دعت الحاجة إلى ذلك، فبه سبحانه نستعين فنقول:
أحاديث اختلاف الأمة:
أحاديث افتراق الأمة وردت في كتب الحديث بطرق كثيرة، رواها جمع كبير من أعلام أهل السنة في كتبهم: كالترمذي وأبي داود وابن ماجة وأحمد والحاكم والهيثمي وابن حجر والذهبي والسيوطي وغيرهم.
وصحّحها كثير من حفاظ الحديث عند أهل السنة كما سنبيّنه قريباً إن شاء الله تعالى.
ورواها عن النبي (صلى الله عليه وآله) طائفة من الصحابة: كأمير المؤمنين (عليه السلام)، وأبي هريرة، وابن عباس، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو، ومعاوية، وسعد بن أبي وقاص، وغيرهم.
وجاءت بألفاظ مختلفة، إلا أنها كلها تؤدي معنى واحداً، وإليك بعضاً منها:
بعض ألفاظ الحديث:
1ـ أخرج الترمذي ـ واللفظ له ـ وأبو داود وابن ماجة والحاكم وأحمد بن حنبل والدارمي وابن حبان وابن أبي عاصم والسيوطي وغيرهم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم): تفرّقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، أو اثنتين وسبعين فرقة، والنصارى مثل ذلك، وتفترق أمّتي على ثلاث وسبعين فرقة(1).
2ـ وأخرج الترمذي والحاكم وغيرهما عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم): ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم مَن أتى أُمَّه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل تفرَّقت على اثنتين وسبعين ملّة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملّة، كلهم في النار إلا ملّة واحدة. قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي(2).
وعند الحاكم: قال: ما أنا عليه اليوم وأصحابي.
3ـ وأخرج أبو داود وابن ماجة وأحمد والهيثمي وابن أبي عاصم والسيوطي وابن حجر والتبريزي والألباني وغيرهم عن معاوية وغيره، قال: ألا إن رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) قام فينا فقال: ألا إن مَن قبلكم مِن أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملّة، وإن هذه الملّة ستفترق على ثلاث وسبعين: اثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة(3).
إلى غير ذلك من الأحاديث المتقاربة في اللفظ والمعنى مع ما ذكرناه.
((كل حزب بما لديهم فرحون))
لقد ادَّعت كل طائفة أنها هي الفرقة الناجية دون غيرها، فكثر الأخذ والرد بين علماء الطوائف، وساقت كل طائفة ما عندها من الأدلة.
ومن المعلوم أنه لا يمكن قبول كلام كل الطوائف في هذه المسألة، لأنه يستلزم تكذيب الأحاديث الصحيحة السابقة التي نصَّت على أن الناجية هي واحدة من كل الفِرق، ثم إن اعتقاد ذلك يؤدي إلى الوقوع في اعتقاد المتناقضات، فنعتقد أن أهل السنة هم الناجون دون غيرهم، والمعتزلة والخوارج والشيعة وغيرهم كذلك، وهذا واضح الفساد.
وعليه، فلا بد من النظر في الأدلة وتمحيصها، والأخذ بالحُجج القطعية، وطرح الادعاءات الواهية التي لا تستند إلى شيء، فإنها لا قيمة لها ولا فائدة فيها.
ولنضرب أنموذجين لبعض استدلالات أهل السنة على أنهم هم الفرقة الناجية، ليرى القارئ العزيز كيف تمسّك بعضهم بما لا ينفع، وتشبّث بما لا يفيد:
الأول: ما ذكره الإيجي في المواقف، حيث قال: وأما الفرقة المستثناة الذين قال فيهم: (هم الذين على ما أنا عليه وأصحابي)، فهم الأشاعرة والسلف من المحدّثين وأهل السنة والجماعة، ومذهبهم خال من بِدَع هؤلاء...ثم ساق عقائد أهل السنة(4).
وهذا الدليل كما ترى ركيك ضعيف، فإن كل الفِرَق تدّعي أنها على ما كان عليه النبي (صلى الله عليه وآله) وأصحابه، وأن مذاهبهم خالية من البِدَع.
ثم إن الأشاعرة وأهل السنة وأهل الحديث الذين ذكر أنهم هم الناجون هم أكثر من فرقة(5).
والعجيب أن الإيجي نفسه ذكر الأشعرية من ضمن الفِرَق الضالة قبل هذا الكلام بصفحة، فإنه قال أولاً: اعلم أن كبار الفِرَق الإسلامية ثمانية: المعتزلة، والشيعة، والخوارج، والمرجئة، والنجارية، والجبرية، والمشبِّهة، والناجية(6).
ثم قال: الفرقة السادسة: الجبرية، والجبر إسناد فعل العبد إلى الله، والجبرية متوسّطة تثبت للعبد كسباً كالأشعرية، وخالصة لا تثبته كالجهمية...(7).
ثم قال: فهذه هي الفرق الضالّة الذين قال فيهم رسول الله: كلّهم في النار.
فكيف عدَّ الأشاعرة بعد ذلك من الفرقة الناجية؟
ثم إن ما ساقه الإيجي من عقائد أهل السُّنّة فيه من الباطل ما فيه، ومنه قوله: إن الله تعالى يراه المؤمنون يوم القيامة. مع أن ذلك خلاف نص الكتاب العزيز في قوله سبحانه (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير)[سورة الأنعام: الآية 103]، ولسنا هنا بصدد بيانه.
ومنه قوله: لا غرض لفعله سبحانه.
وهو خلاف قوله تعالى (أَفَحَسِبْتم أَنَّما خَلَقْنَاكُم عَبَثًا)[سورة المؤمنون: الآية 115]، وقوله تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، وقوله (الذي خَلَقَ المَوْتَ والحياة لِيَبْلُوَكُم أَيُّكُم أَحْسَن عَمَلاً وهو العزيز الغفور)[سورة الملك: الآية 2]، وغير هذه الآيات في كتاب الله كثير.
وقوله: إن الإمام الحق بعد رسول الله أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، والأفضلية بهذا الترتيب.
إلى غير ذلك من مواقع الخلل في كلامه، فكيف يكون أهل السنة هم الفرقة الناجية بهذه الأدلة الواهية؟
الثاني: ما ذكره المناوي في فيض القدير، فإنه قال بعد أن ذكر أن الفرقة الناجية هم أهل السنة والجماعة:
فإن قيل: ما وثوقك بأن تلك الفرقة الناجية هي أهل السنة والجماعة، مع أن كل واحدة من الفرق تزعم أنها هي دون غيرها؟
قلنا: ليس ذلك بالادّعاء والتشبث باستعمال الوهم القاصر والقول الزاعم، بل بالنقل عن جهابذة هذه الصنعة وأئمة أهل الحديث، الذين جمعوا صحاح الأحاديث في أمر المصطفى (صلى الله عليه [وآله] وسلم) وأحواله وأفعاله وحركاته وسكناته، وأحوال الصحب والتابعين، كالشيخين وغيرهما من الثقات، الذين اتفق أهل المشرق والمغرب على صحة ما في كتبهم، وتكفّل باستنباط معانيها وكشف مشكلاتها كالخطابي والبغوي والنووي جزاهم الله خيراً، ثم بعد النقل يُنظَر من تمسّك بهديهم، واقتفى أثرهم، واهتدى بسيرتهم في الأصول والفروع، فيُحكم بأنهم هم(8).
وأقول: هذا الدليل في ركاكته كسابقه، فإن كل الفِرَق تزعم أنها جمعت الآثار الصحيحة عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأحواله وأفعاله وحركاته وسكناته بالنقل الصحيح عن جهابذة الحديث وأئمة الدين... إلى آخره.
وكل الفِرَق تدّعي أنها تقتفي آثار الرسول (صلى الله عليه وآله) وتتمسّك بأحكامه المنقولة عنه بالنقل الثابت الصحيح. إلا أن هذه كلها دعاوى فارغة لا قيمة لها كما قلنا.
وقوله: (بالنقل عن جهابذة هذه الصنعة... كالشيخين وغيرهما من الثقات الذي اتفق أهل المشرق والمغرب على صحة ما في كتبهم) ادّعاء فاسد، فإن الشيعة مثلاً لا يصحِّحون أسانيد أكثر تلك الأحاديث ولا يعتدّون بها، وإجماع أهل السنة على صحة تلك الأحاديث التي جمعها حفّاظ الأحاديث عندهم لا يعني إجماع كل الأمة على ذلك فضلاً عن إجماع أهل المشرق والمغرب.
وقوله: (ثم بعد النقل يُنظَر من تمسّك بهديهم(9)، واقتفى أثرهم، واهتدى بسيرتهم في الأصول والفروع، فيُحكم بأنهم هم) لم يبيِّن فيه أن أهل السنة هم الذين تمسّكوا بهدي الصحابة والتابعين، بل علّق الحكم بالنجاة على النظر.
ومجموع كلامه لا يدل على أكثر من أن أهل السنة جمعوا الأحاديث الصحيحة فقط، أما أنهم عملوا بها أم لا، فهذا لم يثبته كما هو واضح.
ثم إن المطلوب هو التمسك بهدي النبي (صلى الله عليه وآله) واتباع مَن أمر النبي (صلى الله عليه وآله) باتباعه، لا اتِّباع مَن رأى الناس لأنفسهم اتباعه.
هذان أنموذجان من استدلالاتهم على نجاتهم، وهما كغيرهما من أدلتهم دعاوى مجرّدة، وأدلّة ملفّقة، لا تستند إلى حجّة صحيحة ولا إلى برهان مستقيم. وهذا واضح جلي عند كل من تتبع كلماتهم ونظر في كتبهم.
((الشيعة الإمامية هم الفرقة الناجية))
إن كل عالم منصف يرى أن الأدلة القطعية تأخذ بالأعناق إلى اتّباع مذهب أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، دون غيره من المذاهب، والأحاديث الصحيحة دلَّت بأجلى بيان على ما عليه الشيعة الإمامية.
ولنا أن نستدل على حقِّيَّة مذهب الشيعة الإمامية بعدة أدلة:
الدليل الأول:
أن النبي (صلى الله عليه وآله) أخبر الأمّة بأن النجاة منحصرة في التمسّك بالكتاب وأهل البيت (عليهم السلام) بقوله (صلى الله عليه وآله): إني تارك فيك ما إن تمسّكتم به لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يرِدا عليَّ الحوض.
ولا ريب في أن أهل السنة والمعتزلة والخوارج وغيرهم من الطوائف لم يتمسَّكوا بأهل البيت (عليهم السلام)، فوجب بمقتضى الحديث وقوعهم في الضلال، وأما الشيعة الإمامية فاتَّبعوهم واتّخذوهم أئمة، فكانوا بذلك هم الناجين دون غيرهم.
الدليل الثاني:
أن النبي (صلى الله عليه وآله) أخبر في أحاديث صحيحة أن الخلفاء الذين يكون الدين بهم قائماَ وعزيزاً ومنيعاً وأمر الناس بهم صالحاً هم اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش.
وأخبر (صلى الله عليه وآله) في حديث الثقلين أن الواجب على الأمّة هو اتباع أهل البيت (عليهم السلام) والتمسّك بهم لئلا تقع في الضلال، فبضم هذه الأحاديث إلى تلك يُعلم أن الخلفاء الاثني عشر لا بد أن يكونوا من أهل البيت (عليهم السلام).
ونحن نظرنا في المذاهب فلم نجد طائفة تعتقد باثني عشر إماماً فقط، سواء كانوا من أهل البيت أم من غيرهم، إلا الشيعة الإمامية. فبهذا يكونون هم الناجين دون غيرهم.
الدليل الثالث:
أن أهل السنة في هذا العصر وما قبله وغيرهم لم يبايعوا إماماً واحداً لهم، مع أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد نَصَّ على أن مَن مات وليس في عنقه بيعة فميتته جاهلية، فتكون كل الطوائف مشمولة بهذا الحديث، فلا يمكن أن يكونوا ناجين وهم موصوفون بهذه الصفة.
وأما الشيعة الإمامية فلهم إمام واحد معصوم منصوص عليه، فبذلك يكونون هم الناجين دون غيرهم.
الدليل الرابع:
أن أحكام الشريعة عند أهل السنة اعتراها التغيير والتبديل، فلم يبق منها شيء كما كان على عهد النبي (صلى الله عليه وآله)، فحينئذ لا يمكن أن يكونوا هم الناجين وشرائع دينهم محرَّفة، فيكون الناجون هم الشيعة الإمامية، لاتفاق السنة والشيعة على أن غير هاتين الطائفتين ليس بناج، فإذا انتفت نجاة إحداهما ثبتت نجاة الأخرى.
الدليل الخامس:
أن خلافة أبي بكر وعمر التي ارتكز عليها مذهب أهل السنة لم نعثر على دليل واحد يصحِّحها، وحيث أن أساس الخلاف بين مذهب الشيعة وأهل السنة هو مسألة الخلافة، وأن كلاً من المذهبين قائم على ما أسَّسه في مسألة الإمامة، فإذا ثبت بطلان خلافة أبي بكر وعمر، فلا مناص حينئذ من ثبوت بطلان مذهب أهل السنة المبتني عليهما، فيثبت صحة مذهب الإمامية لعين ما قلناه في الدليل الرابع.
الدليل السادس:
أن الأحاديث التي رواها أهل السنة صرَّحت بنجاة الشيعة، بينما لم يرووا في كتبهم أحاديث تدل على نجاتهم هم.
ومن تلك الأحاديث ما رووه عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: عليٌّ وشيعته هم الفائزون يوم القيامة.
وأخرج السيوطي في الدر المنثور والشوكاني في فتح القدير عن ابن عساكر، قال: عن جابر بن عبد الله قال: كنّا عند النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) فأقبل علي، فقال النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم): والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لَهُم الفائزون يوم القيامة. ونزلت (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البَرِيَّة)، فكان أصحاب النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) إذا أقبل علي قالوا: جاء خير البَرِيَّة(10).
وعن ابن عباس قال: لما نزلت (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البَرِيَّة) قال رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) لعلي: هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين(11).
وعن علي (عليه السلام) قال: قال لي رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم): ألم تسمع قول الله
(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البَرِيَّة) أنت وشيعتك. وموعدي وموعدكم الحوض، إذا جاءت الأمم للحساب تُدعَون غُرَّاً محجَّلين(12).
وأخرج الطبري في تفسير الآية المذكورة عن محمد بن علي: (أولئك هم خير البرية) فقال النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم): أنت يا علي وشيعتك(13).
وعنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: يا علي، إنك ستقدم على الله وشيعتك راضين مرضيين، ويقدم عليه عدوّك غضاب مُقمَّحين(14).
وقال (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): أنت وشيعتك ترِدُون عليَّ الحوض(15).
وقال: أنت وشيعتك في الجنة(16).
قال (صلى الله عليه وآله) أيضاً: إن أول أربعة يدخلون الجنة: أنا وأنت والحسن والحسين، وذرارينا خلف ظهورنا، وأزواجنا خلف ذرارينا، وشيعتنا خلف أيماننا وشمائلنا(17).
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي تؤدّي هذا المعنى.
الدليل السابع:
أن الشيعة اتّبعوا أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وهم مضافاً إلى دلالة الأحاديث الصحيحة على لزوم اتّباعهم، فقد وقع الاتفاق على صلاحهم ونجاتهم، وحسن سيرتهم، وطيب سريرتهم، وأما أهل السنّة فاتَّبعوا أئمتهم الذين لم يرِد في جواز اتّباعهم نصّ، ولم يُتَّفَق على نجاتهم وصلاحهم، بل إنهم رووا الأحاديث الصريحة في الطعن فيهم(18).
ولا ريب في أن الواجب هو اتّباع المتَّفَق على صلاحه، دون المختَلَف فيه الذي قَدَح فيه أولياؤه وأعداؤه.
فحينئذ يكون الشيعة الإمامية هم الناجين دون غيرهم، لأنهم اتَّبعوا مَن يجب اتّباعه دون أهل السنّة وغيرهم.
الدليل الثامن:
أن أئمة أهل السنّة غير مستيقنين بإيمانهم وبنجاتهم، وأما أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فهم جازمون بذلك غير شاكين فيه. ولا شك في أن اتّباع الجازم بذلك هو المتعيِّن، دون اتّباع غيره.
وبذلك يكون الشيعة الإمامية هم الناجين دون غيرهم، لاتّباعهم من يتعيَّن اتّباعه.
أما أن أئمة أهل السنة غير جازمين بنجاتهم فيدل عليه كثير من الآثار المروية عنهم في ذلك:
ومن ذلك ما رووه في احتضار أبي بكر أنه قال: وددتُ أني خضرة تأكلني الدواب(19).
وقال عمر في احتضاره: لو أن لي الدنيا وما فيها لافتديتُ بها من النار وإن لم أرَها(20).
وقال أيضاً حينئذ: لو أن لي الدنيا وما فيها لافتديت به من هول ما أمامي قبل أن أعلم الخبر(21). وفي بعضها: لافتديت به من هول المطَّلع(22).
وقال وقد أخذ تِبْنة من الأرض: ليتني كنت هذه التِّبْنة، ليتني لم أُخلَق، ليت أمّي لم تلدني، ليتني لم أكُ شيئاً، ليتني كنت نسياً منسياً(23).
وما قاله عمر وقت احتضاره غير هذا كثير، فراجعه في مظانّه(24).
بينما رووا أن علياً (عليه السلام) لما ضربه ابن ملجم قال: فزتُ وربّ الكعبة(25).
ثم إن عمر كان يسأل حذيفة بن اليمان هل ذُكر في المنافقين أم لا(26).
قال الغزالي بعد أن ساق جملة من الأخبار الواردة في النفاق: فهذه الأخبار والآثار تُعرِّفك خطر الأمر بسبب دقائق النفاق والشرك الخفي، وأنه لا يؤمَن منه، حتى كان عمر بن الخطاب يسأل حذيفة عن نفسه وأنه هل ذُكِر في المنافقين(27).
وأخرج أحمد في المسند، والهيثمي في مجمع الزوائد عن أم سلمة قالت: قال النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم): مِن أصحابي مَن لا أراه ولا يراني بعد أن أموت أبداً. قال: فبلغ ذلك عمر فأتاها يشتد أو يسرع، فقال: أنشدك الله، أنا منهم؟ قالت: لا، ولا أبرّئ بعدك أحداً أبداً(28).
ثم إن أئمتهم اتفقوا على أن الرجل إذا سُئل: (هل أنت مؤمن؟) فلا يجوز له أن يقول: (نعم)، بل يقول: (أنا مؤمن إن شاء الله). أو يقول: (ما أدري أنا عند الله عز وجل شقي أم سعيد، أمقبول العمل أم لا). أو يقول: (أرجو إن شاء الله)(29).
وعن قتادة أن عمر بن الخطاب قال: مَن زعم أنه مؤمن فهو كافر، ومن زعم أنه في الجنة فهو في النار(30).
قال ابن بطة الحنبلي: فمن صفة أهل العقل والعلم أن يقول الرجل: أنا مؤمن إن شاء الله(31).
وأخرج ابن بطة عن أحمد بن حنبل قال: حدّثني علي بن بحر، قال: سمعت جرير بن عبد الحميد يقول: كان الأعمش ومنصور ومغيرة وليث وعطاء بن السائب وإسماعيل بن أبي خالد وعمارة بن القعقاع، والعلاء بن المسيب، وابن شبرمة، وسفيان الثوري، وأبو يحيى صاحب الحسن وحمزة الزيات، يقولون: (نحن مؤمنون إن شاء الله)، ويعيبون مَن لا يستثني(32).
وهذا كله ناشئ من شكّهم في أنهم مؤمنون كما لا يخفى، مع أن الإيمان لا بد أن يكون عن جزم ويقين، ولا يكون بالشك والظن والتخمين.
وقال ابن بطة: ولكن الاستثناء يصح من وجهين: أحدهما: نفي التزكية، لئلا يشهد الإنسان على نفسه بحقائق الإيمان وكوامله... ويصح الاستثناء من وجه آخر يقع على مستقبل الأعمال ومستأنف الأفعال، وعلى الخاتمة، وبقية الأعمال، ويريد أني مؤمن إن ختم الله لي بأعمال المؤمنين، وإن كنت عند الله مثبتاً في ديوان أهل الإيمان، وإن كان ما أنا عليه من أفعال المؤمنين أمراً يدوم لي ويبقى عليَّ حتى ألقى الله، و لا أدري هل أصبح وأمسي على الإيمان أم لا... فأنت لا يجوز لك إن كنت ممن يؤمن بالله وتعلم أن قلبك بيده، يصرفه كيف شاء، أن تقول قولاً جزماً حتماً: إني أصبح غداً كافراً ولا منافقاً. إلا أن تصل كلامك بالاستثناء، فتقول: إن شاء الله. فهكذا أوصاف العقلاء من المؤمنين(33).
أقول: هذا عين الشك في الإيمان، لأن مورد النزاع هو هل أنا الآن متَّصف بالإيمان أم لا، وهذا أمر وجداني يشعر به كل مؤمن، ويدرك في نفسه أنه معتقد بالحق جازم به، وأما ما يكون في مستقبل الأيام فلا علم لنا به، فلا ينبغي لمؤمن أن يقول: (أنا سأبقى مؤمناً إلى ما بعد سنة)، لأن هذا أمر غيبي لا نجزم به، ولا طريق لنا إلى معرفته، فلا يصح هذا القول من هذه الجهة إلا بالاستثناء، وليس هذا موضع نزاعنا.
وقولي: (إني مؤمن) لا تزكية فيه للنفس، بل هو إخبار عن واقع صحيح باعتقادي، وإنما يكون تزكية إذا ادّعيت أني كامل الإيمان وفي أعلى مراتبه، لأن الإيمان مراتب ودرجات. ولِمَ لا يكون قولي ذلك من باب التحدّث بنعمة الله تعالى إذ أنعم علينا بنعمة الإيمان، وربما يكون عدم جزمي بذلك نوعاً من الجحود.
ثم إن الله تعالى حكى عن موسى (عليه السلام) ذلك، فقال عز من قائل (وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قال سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِليكَ وَأَنَا أَوَّلُ المؤمنين)[سورة الأعراف: الآية 143].
وحكاه عن السَّحَرة الذين آمنوا بموسى فقال جل شأنه (قال آمنتم له قبل أن آذَن لكم إنه لكبيركم الذي علَّمكم السحر فلسوف تعلمون لأقطعَنَّ أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلّبنّكم أجمعين * قالوا لا ضير إنَّا إلى ربِّنا منقلبون * إنا نطمع أن يغفر لنا ربُّنا خطايانا أَنْ كنَّا أول المؤمنين)[سورة الشعراء: الآيات 49 ـ 51].
الدليل التاسع:
أن مذهب الشيعة الإمامية هو المذهب الخالص عن الأباطيل في الفروع والأصول، وقد مرَّت بك نماذج كثيرة من أقوال أصحاب المذاهب وفتاواهم، وهي قليل من كثير عثرنا عليه، وما لم نعثر عليه أكثر، بسبب قلة المصادر لدينا، وكثرة كتب أهل السنة وتفرّقها في البلدان، وكثرة المشاغل، وضيق الأوقات، وخشية ملالة القرَّاء، وغير ذلك.
وأما عقائد الإمامية فهي خالية عن كل ذلك.
ولا بأس أن نذكرها مجملة، فنقول في بيانها على نحو الإجمال:
إن الشيعة الإمامية يعتقدون أن الله سبحانه هو المخصوص بالأزلية والقِدَم، وكل ما سواه مخلوق مُحدَث، وأنه واحد وليس بمركَّب، لأنه لو كان مركباً لاحتاج إلى أجزائه، ولكان مسبوقاً بها، فيكون حينئذ مُحدَثاً، كما أنه تعالى ليس بجسم ولا جوهر ولا عَرض ولا يحويه مكان ولا في جهة، وإلا لكان مُحدَثاً مخلوقاً، وليس له شبيه ولا نظير ولا نِد ولا مثيل.
ويعتقدون أنه تعالى قادر على جميع المقدورات، وأنه لا يعجزه شيء وهو على كل شيء قدير، وأنه عَدْل حكيم لا يظلم أحداً، ولا يقع منه القبيح، ولا يفعل إلا لحكمة وغرض، ولولا ذلك لكان جاهلاً أو محتاجاً أو عاجزاً أو عابِثاً تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
ويعتقدون أيضاً أنه تعالى لا يُرى ولا يُدرَك بالحواس، لا في الدنيا ولا في الآخرة، لقوله تعالى (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير)[سورة الأنعام: الآية 103].
ويعتقدون أنه تعالى لا يعذِّب الأنبياء على طاعتهم، ولا يثيب إبليس على معصيته، ولا يكلِّف الناس بما لا يطيقون، ولا يؤاخذهم بما لا يعلمون.
وأما الأشاعرة والحنابلة فاعتقدوا أن لله يدين ورجلين يضعهما في النار فتقول: ( قَط قَط )، ويكون في صورة خاصة، يراه الناس يوم القيامة، فلا يعرفونه إلا بكشف ساقه وسجود الأنبياء له. وأنه تعالى ينزل كل ليلة جمعة إلى سماء الدنيا، فينادي: هل من تائب فأتوب عليه، وهل من مستغفر فأغفرُ له.
وأن له أن يعذِّب الأنبياء والمؤمنين ويدخلهم النار، ويثيب العصاة والمنافقين وإبليس ويدخلهم الجنة، لأنه لا يُسأل عما يفعل وهم يُسأَلون.
ثم إن الشيعة الإمامية يعتقدون أن أنبياء الله عامة ورسول الله (صلى الله عليه وآله) خاصة معصومون عن الخطأ والسهو والمعصية: صغيرها وكبيرها، من أول العمر إلى آخره، قبل بعثتهم وبعدها، فيما يبلِّغونه وما لا يبلِّغونه، ولولا ذلك لما حصل الوثوق بهم وبكلامهم، فتنتفي الفائدة من بعثتهم، وأنهم منزَّهون من كل ما يُنفِّر عنهم من الصفات الذميمة والطباع السيئة والأفعال القبيحة وعن دناءة الآباء وعهر الأمهات.
وأما أهل السنة فجوَّزوا على النبي (صلى الله عليه وآله) أن يسهو في صلاته حتى صلى الظهر ركعتين، وأن يغفل عنها حتى نام عن صلاة الفجر، وأن يشك في نبوَّته في بداية بعثته حتى سأل عنها غيره، وأن يظن أن النبوة انتقلت إلى غيره كلما تأخر عنه الوحي، وأن يضرب مَن لا يستحق، ويسب ويلعن بغير حق، وأن يسمع المعازف مع أهله، ويسابق زوجه فيسبقها مرة، وتسبقه مرة أخرى، ويخرج إلى المسجد للصلاة وعلى ثيابه أثر المني، وغير ذلك مما لا يليق بمقامه (صلى الله عليه وآله).
ثم إن الإمامية قالوا بعصمة الأئمة، وبلزوم النصّ عليهم، وبأنهم أفضل أهل زمانهم، لقبح تقديم المفضول على الفاضل، واشترطوا طهارة مولده، ونزاهته عن كل ما ينفِّر منه كما تقدم في النبي. وأن يكون أعلم الناس لا يحتاج أن يسأل غيره فيما ينتابه من الحوادث، وأن يكون طاهر المولد، ولا يكون ابن زنا أو مختلط النسب، أو مَن يُعيَّر بأمّه أو بأبيه، أو معتوهاً، أو متكالباً على الدنيا، أو مأبوناً أو ملعوناً.
وأما أهل السنة فصحَّحوا خلافة كل مَن بايعه الناس وإن كان فاسقاً أو منافقاً، وصحَّحوا خلافة كل مَن تولَّى أمور المسلمين بالقهر والقوة وإن كان من الطلقاء وأبناء الطلقاء وأبناء الزنا. وجوَّزوا خلافة مَن عبد الأصنام في سالف عمره، وشرب الخمر، ووأد البنات، وفعل أفعال الجاهلية.
وبالإجمال: كل مَن كان منصفاً، واطّلع على المذاهب بتأمّل وإنصاف يجد أن مذهب الشيعة الإمامية هو المذهب الواجب الإتباع، لموافقته للأدلة الصحيحة، وبعده عن الأباطيل والبدع، وقد تقدمَّت نماذج كثيرة من بِدَع القوم، فراجعها.
الدليل العاشر:
لقد أثبت علماء الشيعة الإمامية مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وردّوا على خصومهم، وفندوا آراء المذاهب الأخرى، وهم في ذلك قد ألزموا أنفسهم بألا يحتجّوا إلا بما ورد في كتب القوم مما يعترفون بصحّته ويسلّمون به، فأثبتوا صحة المذهب من طريقهم، وطريق خصومهم.
فاحتجوا على أهل السنة بما روي في الصحيحين وباقي الكتب المعتبرة عندهم، وبأقوال أعلامهم وأساطين علمائهم.
وأما الخصوم عامة، وأهل السنة خاصة، فإنهم لم يتسنَّ لهم ذلك، فغاية ما سلكوا في إثبات مذاهبهم أنهم يحتجّون على غيرهم بأحاديث رُويت من طريقهم هم، لا يسلِّم بها الخصم، فاحتج أهل السنة على الشيعة بما في صحيح البخاري ومسلم وباقي كتب الحديث عندهم، وبأقوال أحمد بن حنبل والشافعي ومالك وأبي الحسن الأشعري وابن تيمية وغيرهم.
ومن الواضح أن الدليل الذي يصح الاحتجاج به لا بد أن يسلم به الخصم ويقر به، وأدلتهم كلها ليست كذلك.
ثم إن بعض علماء أهل السنة لمَّا أعياهم الدليل الصحيح في نقد مذهب الإمامية عمدوا مع بالغ الأسى إلى تضعيف الأحاديث الصحيحة المروية عندهم، كحديث الثقلين، وحديث الغدير، وحديث أنا مدينة العلم، وحديث الطير مع كثرة طرقه، وغيرها من الأحاديث التي تلزمهم(34).
وعمدوا أيضاً إلى اختلاق الأكاذيب على الشيعة واتهامهم بما لا يقولون به(35)، وبما ليس فيهم(36). وهذا كله ناشئ من عدم الدليل عندهم على صحة مذاهبهم.
ثم إنا لم نجد في ردّهم على الشيعة الإمامية إلا السباب والشتم المقذع، مع أن الله تعالى يقول (ادعُ إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) فانظر ما كتبه ابن حجر في الصواعق المحرقة، وابن حزم في الفصل في الملل والأهواء والنحل، وابن تيمية في منهاج السنة وغيرهم، وهذا سبيل العاجز عن مقارعة الحجة بالحجة كما هو معلوم(37).
وهذا كله يدل بوضوح على صحّة مذهب الإمامية وسلامته.
الدليل الحادي عشر:
قد تقدَّم أن مذاهب أهل السنة في الأصول الاعتقادية ثلاثة: الأثرية وإمامهم أحمد بن حنبل (164 ـ 241هـ)، والأشعرية وإمامهم أبو الحسن الأشعري (260 ـ 330هـ)، والماتريدية وإمامهم أبو منصور الماتريدي (ت 330هـ). وكلها نشأت بعد القرن الثاني من الهجرة.
وأما في الفروع فهم مذاهب كثيرة، وأشهرها المذاهب الأربعة المعروفة. وكلها نشأت بعد انتهاء القرن الأول من الهجرة.
فإذا كانت هذه المذاهب قد نشأت في عصور متأخرة، فلا بد أن يكون الحق في غيرها قبل نشوئها، لأنه لا بد أن تكون طائفة من طوائف هذه الأمة على الحق من زمان النبي (صلى الله عليه وآله) إلى قيام الساعة، وإلا لزم أن تكون الأمة كلها على ضلال إلى زمان نشوء هذه المذاهب، وهو باطل بالاتفاق.
فإذا كان الحق في غيرها فهو منحصر في مذهب الإمامية، لأنه هو المذهب الفريد بين كل المذاهب الإسلامية الذي امتد من حياة النبي (صلى الله عليه وآله) إلى العصور المتأخرة(38).
لا يقال: إن أئمة المذاهب أخذوا عمن سبقهم إلى أن يصل الأمر إلى زمان النبي (صلى الله عليه وآله).
لأنا نقول: إن أئمة المذاهب اختلفوا فيما بينهم في الأصول والفروع، وخالفوا من سبقهم، لأنهم كانوا مجتهدين غير مقلِّدين لغيرهم، ولذلك اجتهد الإمام أحمد في المسائل المتجدّدة كمسألة خلق القرآن وغيرها من المسائل التي لم تكن مطروحة من قبل.
الدليل الثاني عشر:
أنَّا رأينا في الحوادث الكثيرة والوقائع المختلفة التي اشتهرت وذاعت أنه ما من رجل كان ينتحل مذهباً من مذاهب أهل السنة، وانتقل عنه إلى مذهب الشيعة الإمامية، إلا كان عالماً مخلصاً، أو مفكِّراً مطّلعاً حُرّاً، أو كان صاحب شهادة علمية عالية وثقافة واسعة.
كما أنَّا لم نرَ رجلاً كان على مذهب الإمامية وانتقل عنه إلى مذاهب أهل السنة، إلا كان جاهلاً بالمذهب الذي انتقل عنه، وبالمذهب الذي انتقل إليه، أو كان منحرف السلوك، نفعيّاً يسعى وراء مصلحة دنيوية من مال أو منصب أو شهرة أو غير ذلك.
وقد رأينا علماء ومفكّرين من أهل السنة تشيَّعوا قديماً وحديثاً، ولم يحدث العكس. ويكفي أن نذكر بعضاً ممن تشيَّع في هذا العصر على سبيل المثال لا الحصر ممن لهم كتب ومؤلفات، منهم:
1ـ الشيخ محمد مرعي الأمين الأنطاكي السوري، من شيوخ الجامع الأزهر بمصر، كان شافعي المذهب فاستبصر، وألَّف كتاب (لماذا اخترت مذهب الشيعة) مطبوع، يذكر فيه قصة تشيّعه، ويستدل فيه على لزوم اتباع مذهب الإمامية.
2ـ الشيخ محمد أمين الأنطاكي السوري، من شيوخ الجامع الأزهر بمصر، وهو أخ الشيخ السابق، كان شافعي المذهب فاستبصر، وألَّف كتاب (في طريقي إلى التشيع) مطبوع، ذكر فيه قصة تشيّعه.
3ـ الدكتور محمد التيجاني السماوي التونسي، خرّيج جامعة السوربون في فرنسا بشهادة الدكتوراه في الفلسفة، كان مالكياً فصار شيعياً إمامياً، وألَّف كتاب (ثم اهتديت) مطبوع، ذكر فيه قصة تشيعه، وانتصر فيه لمذهب الإمامية، وألَّف كتباً أخرى في إثبات مذهب الإمامية، منها: (مع الصادقين)، (فاسألوا أهل الذِّكْر)، (الشيعة هم أهل السنة)، (اتقوا الله)، (اعرف الحق) وغيرها، وكلها مطبوعة.
4ـ المحامي أحمد حسين يعقوب الأردني، كان على مذهب أهل السنة، ثم صار شيعياً إمامياً، له كتاب (النظام السياسي في الإسلام) وكتاب (نظرية عدالة الصحابة)، و(المواجهة مع رسول الله وآله) وغيرها، وهي كلها مطبوعة ينتصر فيها لمذهب الإمامية.
5ـ أسعد وحيد القاسم، فلسطيني، لديه شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية، والماجستير في إدارة الإنشاءات، كان على مذهب أهل السنة فصار إمامياً، وألَّف كتاب (حقيقة الشيعة الاثني عشرية) مطبوع، ذكر فيه قصة تشيّعه وانتصر فيه لمذهب الإمامية.
6ـ صالح الورداني: كاتب مصري، كان على مذهب أهل السنة فصار إمامياً، له عدة مؤلفات مطبوعة، منها: (الخدعة: رحلتي من السنة إلى الشيعة)، (أهل السنة: شعب الله المختار، دراسة في فساد عقائد أهل السنة)، (السيف والسياسة: إسلام السنة أم إسلام الشيعة)، (عقائد السنة وعقائد الشيعة)، (زواج المتعة حلال: عند أهل السنة) وغيرها، وكلها ينتصر فيها لمذهب الإمامية، وهي مطبوعة.
7ـ إدريس الحسيني: كان على مذهب أهل السنة فصار إمامياً، له عدة مؤلفات مطبوعة: منها: (لقد شيعني الحسين: أو الانتقال الصعب في رحاب المعتقد).
8ـ الشيخ معتصم سيد أحمد: كاتب سوداني،كان على مذهب أهل السنة فصار إمامياً، وألَّف كتاب (الحقيقة الضائعة: رحلتي نحو مذهب آل البيت)، وهو مطبوع، يذكر فيه قصة تشيّعه.
9ـ مروان خليفات: كان شافعي المذهب، فاستبصر واتّبع مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وسجَّل رحلته إلى الإيمان في كتابه (وركبت السفينة)، وهو مطبوع، ينتصر فيه إلى مذهب الإمامية.
وكل هذه الكتب المذكورة جيدة في بابها، وتدل على سعة اطلاع، وقوة اعتقاد، وصلابة في الحق، فجزى الله أصحابها خير جزاء المؤمنين المخلصين، وشكر الله لهم مساعيهم وجهودهم في بيان الحق ونصرة أهله.(ويمكنكم مراجعة باب المتحولون في الموقع لتجدون العديد من هذه الشخصيات التي اتخذت مذهب أهل البيت (عليهم السلام)).
يتبع...؛
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلى على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
http://c.shia4up.net/uploads/12864547701.jpg (http://c.shia4up.net/)
ما هي الفرقة الناجية؟
((تأليف الشيخ علي آل محسن)).
تمهيد:
لقد جاءت الأحاديث الصحيحة المروية عن النبي (صلى الله عليه وآله) منذرة بافتراق الأمة إلى فِرَق كثيرة، وتشعّبها إلى طوائف مختلفة، كلها في النار إلا واحدة.
وقد وقع ما أخبر به الصادق الأمين (صلى الله عليه وآله)، فافترقت هذه الأمة إلى فِرَق كثيرة يكفِّر بعضها بعضاً، ويستحل بعضها دم بعض.
وصارت كل فرقة تدَّعي أنها هي الفرقة المُحِقَّة، وأن أتْبَاعها هم الناجون دون غيرهم من طوائف الأمة، وغدت كل طائفة تنافح في إثبات ذلك بكل ما أُوتيت من جهد وقوة، فاختُلقَت الأحاديث الكثيرة التي تنتصر بها كل فرقة على غيرها من الفِرَق، وأُلِّفَت كثير من الكتب المملوءة بالأحاديث الموضوعة المكذوبة على النبي (صلى الله عليه وآله)، وصارت كل فرقة تحتج على غيرها بأقوال تنسبها للنبي (صلى الله عليه وآله)، فزادت الفتنة، وعظمت المحنة، وخفي الحق، وانتشر الباطل، وصار الناس في ظلمة عمياء، إذا أخرج المرء فيها يده لم يكد يراها.
إلا أن الحق لا تختفي أنواره، ولا تندثر آثاره، فأعلامه لائحه، ودلائله واضحة، فإن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة تصدح بالحق وتصدع بالهدى، إلا أن مبتغي الحق يلزمه ألا يتعصّب للمخلوقين، وأن يجانب هواه، وأن يفر من عبادة السادة والكبراء، وينأى عن تقليد الأجداد والآباء.
فإنه إن تجرّد من كل ذلك، وتمسَّك بآيات الكتب العزيز وبالآثار الصحيحة المروية عن سيد الأنام رسول الله (صلى الله عليه وآله) أدرك الحق ووصل إليه، ونال مبتغاه، وحصل على ما يتمنَّاه، فإن الوصول إلى الحق هو غاية الغايات ومنتهى الطلبات، وهو منية كل طالب، ورغبة كل راغب.
فاللازم إذن هو معرفة الفرقة الناجية والطائفة المحِقَّة من كل تلك الطوائف، فما هي هذه الفرقة؟
إن المباحث الآتية ستتكفّل ببيان جواب هذا السؤال، ونحن قد مهَّدنا لمعرفة الفرقة الناجية بالأبحاث المتقدمة، وسنحيل القارئ الكريم إلى ما سبق بيانه فيما مرَّ كلما دعت الحاجة إلى ذلك، فبه سبحانه نستعين فنقول:
أحاديث اختلاف الأمة:
أحاديث افتراق الأمة وردت في كتب الحديث بطرق كثيرة، رواها جمع كبير من أعلام أهل السنة في كتبهم: كالترمذي وأبي داود وابن ماجة وأحمد والحاكم والهيثمي وابن حجر والذهبي والسيوطي وغيرهم.
وصحّحها كثير من حفاظ الحديث عند أهل السنة كما سنبيّنه قريباً إن شاء الله تعالى.
ورواها عن النبي (صلى الله عليه وآله) طائفة من الصحابة: كأمير المؤمنين (عليه السلام)، وأبي هريرة، وابن عباس، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو، ومعاوية، وسعد بن أبي وقاص، وغيرهم.
وجاءت بألفاظ مختلفة، إلا أنها كلها تؤدي معنى واحداً، وإليك بعضاً منها:
بعض ألفاظ الحديث:
1ـ أخرج الترمذي ـ واللفظ له ـ وأبو داود وابن ماجة والحاكم وأحمد بن حنبل والدارمي وابن حبان وابن أبي عاصم والسيوطي وغيرهم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم): تفرّقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، أو اثنتين وسبعين فرقة، والنصارى مثل ذلك، وتفترق أمّتي على ثلاث وسبعين فرقة(1).
2ـ وأخرج الترمذي والحاكم وغيرهما عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم): ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم مَن أتى أُمَّه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل تفرَّقت على اثنتين وسبعين ملّة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملّة، كلهم في النار إلا ملّة واحدة. قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي(2).
وعند الحاكم: قال: ما أنا عليه اليوم وأصحابي.
3ـ وأخرج أبو داود وابن ماجة وأحمد والهيثمي وابن أبي عاصم والسيوطي وابن حجر والتبريزي والألباني وغيرهم عن معاوية وغيره، قال: ألا إن رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) قام فينا فقال: ألا إن مَن قبلكم مِن أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملّة، وإن هذه الملّة ستفترق على ثلاث وسبعين: اثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة(3).
إلى غير ذلك من الأحاديث المتقاربة في اللفظ والمعنى مع ما ذكرناه.
((كل حزب بما لديهم فرحون))
لقد ادَّعت كل طائفة أنها هي الفرقة الناجية دون غيرها، فكثر الأخذ والرد بين علماء الطوائف، وساقت كل طائفة ما عندها من الأدلة.
ومن المعلوم أنه لا يمكن قبول كلام كل الطوائف في هذه المسألة، لأنه يستلزم تكذيب الأحاديث الصحيحة السابقة التي نصَّت على أن الناجية هي واحدة من كل الفِرق، ثم إن اعتقاد ذلك يؤدي إلى الوقوع في اعتقاد المتناقضات، فنعتقد أن أهل السنة هم الناجون دون غيرهم، والمعتزلة والخوارج والشيعة وغيرهم كذلك، وهذا واضح الفساد.
وعليه، فلا بد من النظر في الأدلة وتمحيصها، والأخذ بالحُجج القطعية، وطرح الادعاءات الواهية التي لا تستند إلى شيء، فإنها لا قيمة لها ولا فائدة فيها.
ولنضرب أنموذجين لبعض استدلالات أهل السنة على أنهم هم الفرقة الناجية، ليرى القارئ العزيز كيف تمسّك بعضهم بما لا ينفع، وتشبّث بما لا يفيد:
الأول: ما ذكره الإيجي في المواقف، حيث قال: وأما الفرقة المستثناة الذين قال فيهم: (هم الذين على ما أنا عليه وأصحابي)، فهم الأشاعرة والسلف من المحدّثين وأهل السنة والجماعة، ومذهبهم خال من بِدَع هؤلاء...ثم ساق عقائد أهل السنة(4).
وهذا الدليل كما ترى ركيك ضعيف، فإن كل الفِرَق تدّعي أنها على ما كان عليه النبي (صلى الله عليه وآله) وأصحابه، وأن مذاهبهم خالية من البِدَع.
ثم إن الأشاعرة وأهل السنة وأهل الحديث الذين ذكر أنهم هم الناجون هم أكثر من فرقة(5).
والعجيب أن الإيجي نفسه ذكر الأشعرية من ضمن الفِرَق الضالة قبل هذا الكلام بصفحة، فإنه قال أولاً: اعلم أن كبار الفِرَق الإسلامية ثمانية: المعتزلة، والشيعة، والخوارج، والمرجئة، والنجارية، والجبرية، والمشبِّهة، والناجية(6).
ثم قال: الفرقة السادسة: الجبرية، والجبر إسناد فعل العبد إلى الله، والجبرية متوسّطة تثبت للعبد كسباً كالأشعرية، وخالصة لا تثبته كالجهمية...(7).
ثم قال: فهذه هي الفرق الضالّة الذين قال فيهم رسول الله: كلّهم في النار.
فكيف عدَّ الأشاعرة بعد ذلك من الفرقة الناجية؟
ثم إن ما ساقه الإيجي من عقائد أهل السُّنّة فيه من الباطل ما فيه، ومنه قوله: إن الله تعالى يراه المؤمنون يوم القيامة. مع أن ذلك خلاف نص الكتاب العزيز في قوله سبحانه (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير)[سورة الأنعام: الآية 103]، ولسنا هنا بصدد بيانه.
ومنه قوله: لا غرض لفعله سبحانه.
وهو خلاف قوله تعالى (أَفَحَسِبْتم أَنَّما خَلَقْنَاكُم عَبَثًا)[سورة المؤمنون: الآية 115]، وقوله تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، وقوله (الذي خَلَقَ المَوْتَ والحياة لِيَبْلُوَكُم أَيُّكُم أَحْسَن عَمَلاً وهو العزيز الغفور)[سورة الملك: الآية 2]، وغير هذه الآيات في كتاب الله كثير.
وقوله: إن الإمام الحق بعد رسول الله أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، والأفضلية بهذا الترتيب.
إلى غير ذلك من مواقع الخلل في كلامه، فكيف يكون أهل السنة هم الفرقة الناجية بهذه الأدلة الواهية؟
الثاني: ما ذكره المناوي في فيض القدير، فإنه قال بعد أن ذكر أن الفرقة الناجية هم أهل السنة والجماعة:
فإن قيل: ما وثوقك بأن تلك الفرقة الناجية هي أهل السنة والجماعة، مع أن كل واحدة من الفرق تزعم أنها هي دون غيرها؟
قلنا: ليس ذلك بالادّعاء والتشبث باستعمال الوهم القاصر والقول الزاعم، بل بالنقل عن جهابذة هذه الصنعة وأئمة أهل الحديث، الذين جمعوا صحاح الأحاديث في أمر المصطفى (صلى الله عليه [وآله] وسلم) وأحواله وأفعاله وحركاته وسكناته، وأحوال الصحب والتابعين، كالشيخين وغيرهما من الثقات، الذين اتفق أهل المشرق والمغرب على صحة ما في كتبهم، وتكفّل باستنباط معانيها وكشف مشكلاتها كالخطابي والبغوي والنووي جزاهم الله خيراً، ثم بعد النقل يُنظَر من تمسّك بهديهم، واقتفى أثرهم، واهتدى بسيرتهم في الأصول والفروع، فيُحكم بأنهم هم(8).
وأقول: هذا الدليل في ركاكته كسابقه، فإن كل الفِرَق تزعم أنها جمعت الآثار الصحيحة عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأحواله وأفعاله وحركاته وسكناته بالنقل الصحيح عن جهابذة الحديث وأئمة الدين... إلى آخره.
وكل الفِرَق تدّعي أنها تقتفي آثار الرسول (صلى الله عليه وآله) وتتمسّك بأحكامه المنقولة عنه بالنقل الثابت الصحيح. إلا أن هذه كلها دعاوى فارغة لا قيمة لها كما قلنا.
وقوله: (بالنقل عن جهابذة هذه الصنعة... كالشيخين وغيرهما من الثقات الذي اتفق أهل المشرق والمغرب على صحة ما في كتبهم) ادّعاء فاسد، فإن الشيعة مثلاً لا يصحِّحون أسانيد أكثر تلك الأحاديث ولا يعتدّون بها، وإجماع أهل السنة على صحة تلك الأحاديث التي جمعها حفّاظ الأحاديث عندهم لا يعني إجماع كل الأمة على ذلك فضلاً عن إجماع أهل المشرق والمغرب.
وقوله: (ثم بعد النقل يُنظَر من تمسّك بهديهم(9)، واقتفى أثرهم، واهتدى بسيرتهم في الأصول والفروع، فيُحكم بأنهم هم) لم يبيِّن فيه أن أهل السنة هم الذين تمسّكوا بهدي الصحابة والتابعين، بل علّق الحكم بالنجاة على النظر.
ومجموع كلامه لا يدل على أكثر من أن أهل السنة جمعوا الأحاديث الصحيحة فقط، أما أنهم عملوا بها أم لا، فهذا لم يثبته كما هو واضح.
ثم إن المطلوب هو التمسك بهدي النبي (صلى الله عليه وآله) واتباع مَن أمر النبي (صلى الله عليه وآله) باتباعه، لا اتِّباع مَن رأى الناس لأنفسهم اتباعه.
هذان أنموذجان من استدلالاتهم على نجاتهم، وهما كغيرهما من أدلتهم دعاوى مجرّدة، وأدلّة ملفّقة، لا تستند إلى حجّة صحيحة ولا إلى برهان مستقيم. وهذا واضح جلي عند كل من تتبع كلماتهم ونظر في كتبهم.
((الشيعة الإمامية هم الفرقة الناجية))
إن كل عالم منصف يرى أن الأدلة القطعية تأخذ بالأعناق إلى اتّباع مذهب أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، دون غيره من المذاهب، والأحاديث الصحيحة دلَّت بأجلى بيان على ما عليه الشيعة الإمامية.
ولنا أن نستدل على حقِّيَّة مذهب الشيعة الإمامية بعدة أدلة:
الدليل الأول:
أن النبي (صلى الله عليه وآله) أخبر الأمّة بأن النجاة منحصرة في التمسّك بالكتاب وأهل البيت (عليهم السلام) بقوله (صلى الله عليه وآله): إني تارك فيك ما إن تمسّكتم به لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يرِدا عليَّ الحوض.
ولا ريب في أن أهل السنة والمعتزلة والخوارج وغيرهم من الطوائف لم يتمسَّكوا بأهل البيت (عليهم السلام)، فوجب بمقتضى الحديث وقوعهم في الضلال، وأما الشيعة الإمامية فاتَّبعوهم واتّخذوهم أئمة، فكانوا بذلك هم الناجين دون غيرهم.
الدليل الثاني:
أن النبي (صلى الله عليه وآله) أخبر في أحاديث صحيحة أن الخلفاء الذين يكون الدين بهم قائماَ وعزيزاً ومنيعاً وأمر الناس بهم صالحاً هم اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش.
وأخبر (صلى الله عليه وآله) في حديث الثقلين أن الواجب على الأمّة هو اتباع أهل البيت (عليهم السلام) والتمسّك بهم لئلا تقع في الضلال، فبضم هذه الأحاديث إلى تلك يُعلم أن الخلفاء الاثني عشر لا بد أن يكونوا من أهل البيت (عليهم السلام).
ونحن نظرنا في المذاهب فلم نجد طائفة تعتقد باثني عشر إماماً فقط، سواء كانوا من أهل البيت أم من غيرهم، إلا الشيعة الإمامية. فبهذا يكونون هم الناجين دون غيرهم.
الدليل الثالث:
أن أهل السنة في هذا العصر وما قبله وغيرهم لم يبايعوا إماماً واحداً لهم، مع أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد نَصَّ على أن مَن مات وليس في عنقه بيعة فميتته جاهلية، فتكون كل الطوائف مشمولة بهذا الحديث، فلا يمكن أن يكونوا ناجين وهم موصوفون بهذه الصفة.
وأما الشيعة الإمامية فلهم إمام واحد معصوم منصوص عليه، فبذلك يكونون هم الناجين دون غيرهم.
الدليل الرابع:
أن أحكام الشريعة عند أهل السنة اعتراها التغيير والتبديل، فلم يبق منها شيء كما كان على عهد النبي (صلى الله عليه وآله)، فحينئذ لا يمكن أن يكونوا هم الناجين وشرائع دينهم محرَّفة، فيكون الناجون هم الشيعة الإمامية، لاتفاق السنة والشيعة على أن غير هاتين الطائفتين ليس بناج، فإذا انتفت نجاة إحداهما ثبتت نجاة الأخرى.
الدليل الخامس:
أن خلافة أبي بكر وعمر التي ارتكز عليها مذهب أهل السنة لم نعثر على دليل واحد يصحِّحها، وحيث أن أساس الخلاف بين مذهب الشيعة وأهل السنة هو مسألة الخلافة، وأن كلاً من المذهبين قائم على ما أسَّسه في مسألة الإمامة، فإذا ثبت بطلان خلافة أبي بكر وعمر، فلا مناص حينئذ من ثبوت بطلان مذهب أهل السنة المبتني عليهما، فيثبت صحة مذهب الإمامية لعين ما قلناه في الدليل الرابع.
الدليل السادس:
أن الأحاديث التي رواها أهل السنة صرَّحت بنجاة الشيعة، بينما لم يرووا في كتبهم أحاديث تدل على نجاتهم هم.
ومن تلك الأحاديث ما رووه عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: عليٌّ وشيعته هم الفائزون يوم القيامة.
وأخرج السيوطي في الدر المنثور والشوكاني في فتح القدير عن ابن عساكر، قال: عن جابر بن عبد الله قال: كنّا عند النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) فأقبل علي، فقال النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم): والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لَهُم الفائزون يوم القيامة. ونزلت (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البَرِيَّة)، فكان أصحاب النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) إذا أقبل علي قالوا: جاء خير البَرِيَّة(10).
وعن ابن عباس قال: لما نزلت (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البَرِيَّة) قال رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) لعلي: هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين(11).
وعن علي (عليه السلام) قال: قال لي رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم): ألم تسمع قول الله
(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البَرِيَّة) أنت وشيعتك. وموعدي وموعدكم الحوض، إذا جاءت الأمم للحساب تُدعَون غُرَّاً محجَّلين(12).
وأخرج الطبري في تفسير الآية المذكورة عن محمد بن علي: (أولئك هم خير البرية) فقال النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم): أنت يا علي وشيعتك(13).
وعنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: يا علي، إنك ستقدم على الله وشيعتك راضين مرضيين، ويقدم عليه عدوّك غضاب مُقمَّحين(14).
وقال (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): أنت وشيعتك ترِدُون عليَّ الحوض(15).
وقال: أنت وشيعتك في الجنة(16).
قال (صلى الله عليه وآله) أيضاً: إن أول أربعة يدخلون الجنة: أنا وأنت والحسن والحسين، وذرارينا خلف ظهورنا، وأزواجنا خلف ذرارينا، وشيعتنا خلف أيماننا وشمائلنا(17).
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي تؤدّي هذا المعنى.
الدليل السابع:
أن الشيعة اتّبعوا أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وهم مضافاً إلى دلالة الأحاديث الصحيحة على لزوم اتّباعهم، فقد وقع الاتفاق على صلاحهم ونجاتهم، وحسن سيرتهم، وطيب سريرتهم، وأما أهل السنّة فاتَّبعوا أئمتهم الذين لم يرِد في جواز اتّباعهم نصّ، ولم يُتَّفَق على نجاتهم وصلاحهم، بل إنهم رووا الأحاديث الصريحة في الطعن فيهم(18).
ولا ريب في أن الواجب هو اتّباع المتَّفَق على صلاحه، دون المختَلَف فيه الذي قَدَح فيه أولياؤه وأعداؤه.
فحينئذ يكون الشيعة الإمامية هم الناجين دون غيرهم، لأنهم اتَّبعوا مَن يجب اتّباعه دون أهل السنّة وغيرهم.
الدليل الثامن:
أن أئمة أهل السنّة غير مستيقنين بإيمانهم وبنجاتهم، وأما أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فهم جازمون بذلك غير شاكين فيه. ولا شك في أن اتّباع الجازم بذلك هو المتعيِّن، دون اتّباع غيره.
وبذلك يكون الشيعة الإمامية هم الناجين دون غيرهم، لاتّباعهم من يتعيَّن اتّباعه.
أما أن أئمة أهل السنة غير جازمين بنجاتهم فيدل عليه كثير من الآثار المروية عنهم في ذلك:
ومن ذلك ما رووه في احتضار أبي بكر أنه قال: وددتُ أني خضرة تأكلني الدواب(19).
وقال عمر في احتضاره: لو أن لي الدنيا وما فيها لافتديتُ بها من النار وإن لم أرَها(20).
وقال أيضاً حينئذ: لو أن لي الدنيا وما فيها لافتديت به من هول ما أمامي قبل أن أعلم الخبر(21). وفي بعضها: لافتديت به من هول المطَّلع(22).
وقال وقد أخذ تِبْنة من الأرض: ليتني كنت هذه التِّبْنة، ليتني لم أُخلَق، ليت أمّي لم تلدني، ليتني لم أكُ شيئاً، ليتني كنت نسياً منسياً(23).
وما قاله عمر وقت احتضاره غير هذا كثير، فراجعه في مظانّه(24).
بينما رووا أن علياً (عليه السلام) لما ضربه ابن ملجم قال: فزتُ وربّ الكعبة(25).
ثم إن عمر كان يسأل حذيفة بن اليمان هل ذُكر في المنافقين أم لا(26).
قال الغزالي بعد أن ساق جملة من الأخبار الواردة في النفاق: فهذه الأخبار والآثار تُعرِّفك خطر الأمر بسبب دقائق النفاق والشرك الخفي، وأنه لا يؤمَن منه، حتى كان عمر بن الخطاب يسأل حذيفة عن نفسه وأنه هل ذُكِر في المنافقين(27).
وأخرج أحمد في المسند، والهيثمي في مجمع الزوائد عن أم سلمة قالت: قال النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم): مِن أصحابي مَن لا أراه ولا يراني بعد أن أموت أبداً. قال: فبلغ ذلك عمر فأتاها يشتد أو يسرع، فقال: أنشدك الله، أنا منهم؟ قالت: لا، ولا أبرّئ بعدك أحداً أبداً(28).
ثم إن أئمتهم اتفقوا على أن الرجل إذا سُئل: (هل أنت مؤمن؟) فلا يجوز له أن يقول: (نعم)، بل يقول: (أنا مؤمن إن شاء الله). أو يقول: (ما أدري أنا عند الله عز وجل شقي أم سعيد، أمقبول العمل أم لا). أو يقول: (أرجو إن شاء الله)(29).
وعن قتادة أن عمر بن الخطاب قال: مَن زعم أنه مؤمن فهو كافر، ومن زعم أنه في الجنة فهو في النار(30).
قال ابن بطة الحنبلي: فمن صفة أهل العقل والعلم أن يقول الرجل: أنا مؤمن إن شاء الله(31).
وأخرج ابن بطة عن أحمد بن حنبل قال: حدّثني علي بن بحر، قال: سمعت جرير بن عبد الحميد يقول: كان الأعمش ومنصور ومغيرة وليث وعطاء بن السائب وإسماعيل بن أبي خالد وعمارة بن القعقاع، والعلاء بن المسيب، وابن شبرمة، وسفيان الثوري، وأبو يحيى صاحب الحسن وحمزة الزيات، يقولون: (نحن مؤمنون إن شاء الله)، ويعيبون مَن لا يستثني(32).
وهذا كله ناشئ من شكّهم في أنهم مؤمنون كما لا يخفى، مع أن الإيمان لا بد أن يكون عن جزم ويقين، ولا يكون بالشك والظن والتخمين.
وقال ابن بطة: ولكن الاستثناء يصح من وجهين: أحدهما: نفي التزكية، لئلا يشهد الإنسان على نفسه بحقائق الإيمان وكوامله... ويصح الاستثناء من وجه آخر يقع على مستقبل الأعمال ومستأنف الأفعال، وعلى الخاتمة، وبقية الأعمال، ويريد أني مؤمن إن ختم الله لي بأعمال المؤمنين، وإن كنت عند الله مثبتاً في ديوان أهل الإيمان، وإن كان ما أنا عليه من أفعال المؤمنين أمراً يدوم لي ويبقى عليَّ حتى ألقى الله، و لا أدري هل أصبح وأمسي على الإيمان أم لا... فأنت لا يجوز لك إن كنت ممن يؤمن بالله وتعلم أن قلبك بيده، يصرفه كيف شاء، أن تقول قولاً جزماً حتماً: إني أصبح غداً كافراً ولا منافقاً. إلا أن تصل كلامك بالاستثناء، فتقول: إن شاء الله. فهكذا أوصاف العقلاء من المؤمنين(33).
أقول: هذا عين الشك في الإيمان، لأن مورد النزاع هو هل أنا الآن متَّصف بالإيمان أم لا، وهذا أمر وجداني يشعر به كل مؤمن، ويدرك في نفسه أنه معتقد بالحق جازم به، وأما ما يكون في مستقبل الأيام فلا علم لنا به، فلا ينبغي لمؤمن أن يقول: (أنا سأبقى مؤمناً إلى ما بعد سنة)، لأن هذا أمر غيبي لا نجزم به، ولا طريق لنا إلى معرفته، فلا يصح هذا القول من هذه الجهة إلا بالاستثناء، وليس هذا موضع نزاعنا.
وقولي: (إني مؤمن) لا تزكية فيه للنفس، بل هو إخبار عن واقع صحيح باعتقادي، وإنما يكون تزكية إذا ادّعيت أني كامل الإيمان وفي أعلى مراتبه، لأن الإيمان مراتب ودرجات. ولِمَ لا يكون قولي ذلك من باب التحدّث بنعمة الله تعالى إذ أنعم علينا بنعمة الإيمان، وربما يكون عدم جزمي بذلك نوعاً من الجحود.
ثم إن الله تعالى حكى عن موسى (عليه السلام) ذلك، فقال عز من قائل (وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قال سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِليكَ وَأَنَا أَوَّلُ المؤمنين)[سورة الأعراف: الآية 143].
وحكاه عن السَّحَرة الذين آمنوا بموسى فقال جل شأنه (قال آمنتم له قبل أن آذَن لكم إنه لكبيركم الذي علَّمكم السحر فلسوف تعلمون لأقطعَنَّ أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلّبنّكم أجمعين * قالوا لا ضير إنَّا إلى ربِّنا منقلبون * إنا نطمع أن يغفر لنا ربُّنا خطايانا أَنْ كنَّا أول المؤمنين)[سورة الشعراء: الآيات 49 ـ 51].
الدليل التاسع:
أن مذهب الشيعة الإمامية هو المذهب الخالص عن الأباطيل في الفروع والأصول، وقد مرَّت بك نماذج كثيرة من أقوال أصحاب المذاهب وفتاواهم، وهي قليل من كثير عثرنا عليه، وما لم نعثر عليه أكثر، بسبب قلة المصادر لدينا، وكثرة كتب أهل السنة وتفرّقها في البلدان، وكثرة المشاغل، وضيق الأوقات، وخشية ملالة القرَّاء، وغير ذلك.
وأما عقائد الإمامية فهي خالية عن كل ذلك.
ولا بأس أن نذكرها مجملة، فنقول في بيانها على نحو الإجمال:
إن الشيعة الإمامية يعتقدون أن الله سبحانه هو المخصوص بالأزلية والقِدَم، وكل ما سواه مخلوق مُحدَث، وأنه واحد وليس بمركَّب، لأنه لو كان مركباً لاحتاج إلى أجزائه، ولكان مسبوقاً بها، فيكون حينئذ مُحدَثاً، كما أنه تعالى ليس بجسم ولا جوهر ولا عَرض ولا يحويه مكان ولا في جهة، وإلا لكان مُحدَثاً مخلوقاً، وليس له شبيه ولا نظير ولا نِد ولا مثيل.
ويعتقدون أنه تعالى قادر على جميع المقدورات، وأنه لا يعجزه شيء وهو على كل شيء قدير، وأنه عَدْل حكيم لا يظلم أحداً، ولا يقع منه القبيح، ولا يفعل إلا لحكمة وغرض، ولولا ذلك لكان جاهلاً أو محتاجاً أو عاجزاً أو عابِثاً تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
ويعتقدون أيضاً أنه تعالى لا يُرى ولا يُدرَك بالحواس، لا في الدنيا ولا في الآخرة، لقوله تعالى (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير)[سورة الأنعام: الآية 103].
ويعتقدون أنه تعالى لا يعذِّب الأنبياء على طاعتهم، ولا يثيب إبليس على معصيته، ولا يكلِّف الناس بما لا يطيقون، ولا يؤاخذهم بما لا يعلمون.
وأما الأشاعرة والحنابلة فاعتقدوا أن لله يدين ورجلين يضعهما في النار فتقول: ( قَط قَط )، ويكون في صورة خاصة، يراه الناس يوم القيامة، فلا يعرفونه إلا بكشف ساقه وسجود الأنبياء له. وأنه تعالى ينزل كل ليلة جمعة إلى سماء الدنيا، فينادي: هل من تائب فأتوب عليه، وهل من مستغفر فأغفرُ له.
وأن له أن يعذِّب الأنبياء والمؤمنين ويدخلهم النار، ويثيب العصاة والمنافقين وإبليس ويدخلهم الجنة، لأنه لا يُسأل عما يفعل وهم يُسأَلون.
ثم إن الشيعة الإمامية يعتقدون أن أنبياء الله عامة ورسول الله (صلى الله عليه وآله) خاصة معصومون عن الخطأ والسهو والمعصية: صغيرها وكبيرها، من أول العمر إلى آخره، قبل بعثتهم وبعدها، فيما يبلِّغونه وما لا يبلِّغونه، ولولا ذلك لما حصل الوثوق بهم وبكلامهم، فتنتفي الفائدة من بعثتهم، وأنهم منزَّهون من كل ما يُنفِّر عنهم من الصفات الذميمة والطباع السيئة والأفعال القبيحة وعن دناءة الآباء وعهر الأمهات.
وأما أهل السنة فجوَّزوا على النبي (صلى الله عليه وآله) أن يسهو في صلاته حتى صلى الظهر ركعتين، وأن يغفل عنها حتى نام عن صلاة الفجر، وأن يشك في نبوَّته في بداية بعثته حتى سأل عنها غيره، وأن يظن أن النبوة انتقلت إلى غيره كلما تأخر عنه الوحي، وأن يضرب مَن لا يستحق، ويسب ويلعن بغير حق، وأن يسمع المعازف مع أهله، ويسابق زوجه فيسبقها مرة، وتسبقه مرة أخرى، ويخرج إلى المسجد للصلاة وعلى ثيابه أثر المني، وغير ذلك مما لا يليق بمقامه (صلى الله عليه وآله).
ثم إن الإمامية قالوا بعصمة الأئمة، وبلزوم النصّ عليهم، وبأنهم أفضل أهل زمانهم، لقبح تقديم المفضول على الفاضل، واشترطوا طهارة مولده، ونزاهته عن كل ما ينفِّر منه كما تقدم في النبي. وأن يكون أعلم الناس لا يحتاج أن يسأل غيره فيما ينتابه من الحوادث، وأن يكون طاهر المولد، ولا يكون ابن زنا أو مختلط النسب، أو مَن يُعيَّر بأمّه أو بأبيه، أو معتوهاً، أو متكالباً على الدنيا، أو مأبوناً أو ملعوناً.
وأما أهل السنة فصحَّحوا خلافة كل مَن بايعه الناس وإن كان فاسقاً أو منافقاً، وصحَّحوا خلافة كل مَن تولَّى أمور المسلمين بالقهر والقوة وإن كان من الطلقاء وأبناء الطلقاء وأبناء الزنا. وجوَّزوا خلافة مَن عبد الأصنام في سالف عمره، وشرب الخمر، ووأد البنات، وفعل أفعال الجاهلية.
وبالإجمال: كل مَن كان منصفاً، واطّلع على المذاهب بتأمّل وإنصاف يجد أن مذهب الشيعة الإمامية هو المذهب الواجب الإتباع، لموافقته للأدلة الصحيحة، وبعده عن الأباطيل والبدع، وقد تقدمَّت نماذج كثيرة من بِدَع القوم، فراجعها.
الدليل العاشر:
لقد أثبت علماء الشيعة الإمامية مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وردّوا على خصومهم، وفندوا آراء المذاهب الأخرى، وهم في ذلك قد ألزموا أنفسهم بألا يحتجّوا إلا بما ورد في كتب القوم مما يعترفون بصحّته ويسلّمون به، فأثبتوا صحة المذهب من طريقهم، وطريق خصومهم.
فاحتجوا على أهل السنة بما روي في الصحيحين وباقي الكتب المعتبرة عندهم، وبأقوال أعلامهم وأساطين علمائهم.
وأما الخصوم عامة، وأهل السنة خاصة، فإنهم لم يتسنَّ لهم ذلك، فغاية ما سلكوا في إثبات مذاهبهم أنهم يحتجّون على غيرهم بأحاديث رُويت من طريقهم هم، لا يسلِّم بها الخصم، فاحتج أهل السنة على الشيعة بما في صحيح البخاري ومسلم وباقي كتب الحديث عندهم، وبأقوال أحمد بن حنبل والشافعي ومالك وأبي الحسن الأشعري وابن تيمية وغيرهم.
ومن الواضح أن الدليل الذي يصح الاحتجاج به لا بد أن يسلم به الخصم ويقر به، وأدلتهم كلها ليست كذلك.
ثم إن بعض علماء أهل السنة لمَّا أعياهم الدليل الصحيح في نقد مذهب الإمامية عمدوا مع بالغ الأسى إلى تضعيف الأحاديث الصحيحة المروية عندهم، كحديث الثقلين، وحديث الغدير، وحديث أنا مدينة العلم، وحديث الطير مع كثرة طرقه، وغيرها من الأحاديث التي تلزمهم(34).
وعمدوا أيضاً إلى اختلاق الأكاذيب على الشيعة واتهامهم بما لا يقولون به(35)، وبما ليس فيهم(36). وهذا كله ناشئ من عدم الدليل عندهم على صحة مذاهبهم.
ثم إنا لم نجد في ردّهم على الشيعة الإمامية إلا السباب والشتم المقذع، مع أن الله تعالى يقول (ادعُ إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) فانظر ما كتبه ابن حجر في الصواعق المحرقة، وابن حزم في الفصل في الملل والأهواء والنحل، وابن تيمية في منهاج السنة وغيرهم، وهذا سبيل العاجز عن مقارعة الحجة بالحجة كما هو معلوم(37).
وهذا كله يدل بوضوح على صحّة مذهب الإمامية وسلامته.
الدليل الحادي عشر:
قد تقدَّم أن مذاهب أهل السنة في الأصول الاعتقادية ثلاثة: الأثرية وإمامهم أحمد بن حنبل (164 ـ 241هـ)، والأشعرية وإمامهم أبو الحسن الأشعري (260 ـ 330هـ)، والماتريدية وإمامهم أبو منصور الماتريدي (ت 330هـ). وكلها نشأت بعد القرن الثاني من الهجرة.
وأما في الفروع فهم مذاهب كثيرة، وأشهرها المذاهب الأربعة المعروفة. وكلها نشأت بعد انتهاء القرن الأول من الهجرة.
فإذا كانت هذه المذاهب قد نشأت في عصور متأخرة، فلا بد أن يكون الحق في غيرها قبل نشوئها، لأنه لا بد أن تكون طائفة من طوائف هذه الأمة على الحق من زمان النبي (صلى الله عليه وآله) إلى قيام الساعة، وإلا لزم أن تكون الأمة كلها على ضلال إلى زمان نشوء هذه المذاهب، وهو باطل بالاتفاق.
فإذا كان الحق في غيرها فهو منحصر في مذهب الإمامية، لأنه هو المذهب الفريد بين كل المذاهب الإسلامية الذي امتد من حياة النبي (صلى الله عليه وآله) إلى العصور المتأخرة(38).
لا يقال: إن أئمة المذاهب أخذوا عمن سبقهم إلى أن يصل الأمر إلى زمان النبي (صلى الله عليه وآله).
لأنا نقول: إن أئمة المذاهب اختلفوا فيما بينهم في الأصول والفروع، وخالفوا من سبقهم، لأنهم كانوا مجتهدين غير مقلِّدين لغيرهم، ولذلك اجتهد الإمام أحمد في المسائل المتجدّدة كمسألة خلق القرآن وغيرها من المسائل التي لم تكن مطروحة من قبل.
الدليل الثاني عشر:
أنَّا رأينا في الحوادث الكثيرة والوقائع المختلفة التي اشتهرت وذاعت أنه ما من رجل كان ينتحل مذهباً من مذاهب أهل السنة، وانتقل عنه إلى مذهب الشيعة الإمامية، إلا كان عالماً مخلصاً، أو مفكِّراً مطّلعاً حُرّاً، أو كان صاحب شهادة علمية عالية وثقافة واسعة.
كما أنَّا لم نرَ رجلاً كان على مذهب الإمامية وانتقل عنه إلى مذاهب أهل السنة، إلا كان جاهلاً بالمذهب الذي انتقل عنه، وبالمذهب الذي انتقل إليه، أو كان منحرف السلوك، نفعيّاً يسعى وراء مصلحة دنيوية من مال أو منصب أو شهرة أو غير ذلك.
وقد رأينا علماء ومفكّرين من أهل السنة تشيَّعوا قديماً وحديثاً، ولم يحدث العكس. ويكفي أن نذكر بعضاً ممن تشيَّع في هذا العصر على سبيل المثال لا الحصر ممن لهم كتب ومؤلفات، منهم:
1ـ الشيخ محمد مرعي الأمين الأنطاكي السوري، من شيوخ الجامع الأزهر بمصر، كان شافعي المذهب فاستبصر، وألَّف كتاب (لماذا اخترت مذهب الشيعة) مطبوع، يذكر فيه قصة تشيّعه، ويستدل فيه على لزوم اتباع مذهب الإمامية.
2ـ الشيخ محمد أمين الأنطاكي السوري، من شيوخ الجامع الأزهر بمصر، وهو أخ الشيخ السابق، كان شافعي المذهب فاستبصر، وألَّف كتاب (في طريقي إلى التشيع) مطبوع، ذكر فيه قصة تشيّعه.
3ـ الدكتور محمد التيجاني السماوي التونسي، خرّيج جامعة السوربون في فرنسا بشهادة الدكتوراه في الفلسفة، كان مالكياً فصار شيعياً إمامياً، وألَّف كتاب (ثم اهتديت) مطبوع، ذكر فيه قصة تشيعه، وانتصر فيه لمذهب الإمامية، وألَّف كتباً أخرى في إثبات مذهب الإمامية، منها: (مع الصادقين)، (فاسألوا أهل الذِّكْر)، (الشيعة هم أهل السنة)، (اتقوا الله)، (اعرف الحق) وغيرها، وكلها مطبوعة.
4ـ المحامي أحمد حسين يعقوب الأردني، كان على مذهب أهل السنة، ثم صار شيعياً إمامياً، له كتاب (النظام السياسي في الإسلام) وكتاب (نظرية عدالة الصحابة)، و(المواجهة مع رسول الله وآله) وغيرها، وهي كلها مطبوعة ينتصر فيها لمذهب الإمامية.
5ـ أسعد وحيد القاسم، فلسطيني، لديه شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية، والماجستير في إدارة الإنشاءات، كان على مذهب أهل السنة فصار إمامياً، وألَّف كتاب (حقيقة الشيعة الاثني عشرية) مطبوع، ذكر فيه قصة تشيّعه وانتصر فيه لمذهب الإمامية.
6ـ صالح الورداني: كاتب مصري، كان على مذهب أهل السنة فصار إمامياً، له عدة مؤلفات مطبوعة، منها: (الخدعة: رحلتي من السنة إلى الشيعة)، (أهل السنة: شعب الله المختار، دراسة في فساد عقائد أهل السنة)، (السيف والسياسة: إسلام السنة أم إسلام الشيعة)، (عقائد السنة وعقائد الشيعة)، (زواج المتعة حلال: عند أهل السنة) وغيرها، وكلها ينتصر فيها لمذهب الإمامية، وهي مطبوعة.
7ـ إدريس الحسيني: كان على مذهب أهل السنة فصار إمامياً، له عدة مؤلفات مطبوعة: منها: (لقد شيعني الحسين: أو الانتقال الصعب في رحاب المعتقد).
8ـ الشيخ معتصم سيد أحمد: كاتب سوداني،كان على مذهب أهل السنة فصار إمامياً، وألَّف كتاب (الحقيقة الضائعة: رحلتي نحو مذهب آل البيت)، وهو مطبوع، يذكر فيه قصة تشيّعه.
9ـ مروان خليفات: كان شافعي المذهب، فاستبصر واتّبع مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وسجَّل رحلته إلى الإيمان في كتابه (وركبت السفينة)، وهو مطبوع، ينتصر فيه إلى مذهب الإمامية.
وكل هذه الكتب المذكورة جيدة في بابها، وتدل على سعة اطلاع، وقوة اعتقاد، وصلابة في الحق، فجزى الله أصحابها خير جزاء المؤمنين المخلصين، وشكر الله لهم مساعيهم وجهودهم في بيان الحق ونصرة أهله.(ويمكنكم مراجعة باب المتحولون في الموقع لتجدون العديد من هذه الشخصيات التي اتخذت مذهب أهل البيت (عليهم السلام)).
يتبع...؛