شجاعة حيدرة
05-13-2010, 01:39 PM
رسالة في ولادة أمير المؤمنين علي عليه السلام
● ● ●
● ●
●
توطئة في الاسرار:
علي بن ابي طالب عليهم السلام، شخصية حارت فيها العقول، وتداعت لها النفوس، وهوت عند اقدامها العلوم، ولعل ارتباط شخصية الامام علي عليه السلام بقضية الامام كأحد معتقدات الشيعة الامامية قد اوغر عليه الصدور وهو من هو في العلم والشجاعة والفقاهة، وهو من هو في الشرف والكرامة، فهو اخو الرسول الخاتم وحامل لوائه في الدنيا والاخرة وهو الشاهد والشهيد. فوجوده كان سرا علويا وحياته كانت كنزا من الاسرار فالسلام عليه يوم ولد في البيت الحرام ويوم جاهد وناصر وحامى الرسالة وصاحبها ويم استشهد في بيت من بيوت الله ويوم يبعثا حيا.
السر الاول:
لم يكن ابو طالب عليه السلام مجرد رجل آخر في قريش بل كان من تلك الشجرة الطاهرة من ولد ابراهيم الخليل عليه السلام، وهو من قال فيه ولده الامام علي عليه السلام: " ما ساد فقير في قريش غير ابو طالب ". كان كأبيه عبد المطلب موحدا، (1) يتبع حنيفية ابراهيم الخليل، شريف النفس أبيا، حمل الشق الثاني من السر الاعظم الذي توارثه الانبياء والرسل، فالنور الذي حمله آدم عليه السلام كان قد وصل إلى عبد المطلب، فانشق نصفين، نصف في عبد الله أبو النبي الخاتم ونصف في ابو طالب وهما اخوان لام وأب. ومن هنا دافع عن الرسالة وصاحبها وفداها بكل غالي وثمين، وهل أغلى من الولد، فكان ولداه علي وجعفر جناحي الرسول الخاتم ويده التي يصول بها. فعلي باب العلم، وجعفر أول سفير للرسالة الخاتم الى الحبشة. فالسلام عليه يوم ولد ويوم حامى ودافع عن الرسالة وصاحبها ويوم مات مؤمنا ومن الصالحين ويوم يبعث حيا.
السر الثاني:
فاطمة بنت أسد،رضوان الله عليها إمراة أولدتها الفحولة، وحملها خير ارحام عصرها، فما ادراك ما بني أسد ثم ما أدراك، وهل كانت تليق إمرأة أخرى في عصرها ليولدها ابو طالب عليا، حيث اجتمع النفيس بالنفيس، فهل لغير فاطمة أتت البشارة بولادة الوصي؟! وهل لغير فاطمة إنشق جدار البيت الحرام.
(2) فبقيت فيه ثلاثة أيام وخرجت كما دخلا حيث إنشق الجدار في نفس الموضع، وحدثت السيد الجليلة فاطمة بنت أسد بما جرى عليها في الكعبة، قالت: "فجلست على الرخامة الحمراء ساعة، وإذا أنا قد وضعت ولدي علي بن أبي طالب (عليه السلام)ولم اجد وجعا ولا ألما ". (3)
السر الثالث:
البيت الحرام، بيت الله العتيق، أول بيت بنى ليعبد الله فيه، مهبط الملائكة ومنزل الوحي، بناه ابراهيم بيده واسماعيل عليهم السلام: " وأذ يرفع إبراهيم البيت واسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم "، (4) مجمع الاسلام ومطاف الحاج، ومن اليه تهفو القلوب والنفوس والاوهام، بيت حرمته في السماء تهبط اليه انوار العرش، وتصعد منه أدعية البشر في معارج النور راجية رحمة رب العزة، الله لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، هناك في الثالث عشر من رجب قبل المبعث بعشر سنوات، تخرج فاطمة بنت اسد وهي تتبع نداء ربانيا ووحيا خفيا، وكيف لا وهي تنادي الله بحنيفية جدها ابراهيم الخليل باني البيت العتيق، هناك وهي في الطواف ينشق الجدار لتلج فاطمة وحملها في رحم البيت الحرام. هناك يولد الشق الثاني من النور، هناك يولد علي عليه السلام.
السر الرابع:
رجب الشهر الحرام، شهر سماه النبي شهر علي، فقال صلوات الله عليه وآله: " رجب شهر علي، وشعبان شهري، ورمضان شهر الله " ذاك شهر رجب (الارجب) حرمة من حرم الله، ورحمة من واسع رحمته فيه تستجاب الدعوات وتهب من لدن الرحمن الرحمات، ويقترب المؤمن من جلال الله ليكون في ظلال رحمته الواسعة. فأي شهر هذا الذي يولد فيه وليد الكعبة ومعجزة من معاجز النبوة الخاتم ليكون اخو النبي ووزيره وشبيه هارون بن عمران، وليحمل أعباء الهداية في تمام الرسالة الخاتم.
السر الخامس:
يأمر الله نبيه: " وأنذر عشيرتك الاقربين"،(5) من بين كل رجالات قريش، أثريائها، تجارها، شجعانها، واعلامها يخرج الفتى علي ليعلن ولائه ومؤازرته للدعوة الاسلامية وصاحبها الرسول الخاتم، وهنا يقول نصري سلهب: " وفي ابن ابي طالب كان بعض رسالته (رسالة الرسول الخاتم)، كان شعاع في روحه منها قطرات لاتجف مدى الدهر ".(6) أي سر فيك أيها العظيم فكرا ووجدانا ونفسا عالية!؟ أي سر يا فتى الاسلام!؟ سينحني لك التاريخ مادام الوجود باقيا، وستصبح في هذه المؤازرة نظيرا لهارون عليه السلام.
السر السادس:
يقول الحق سبحانه: " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد ". (7) هنا يثبت لنا امير المؤمنين )عليه السلام قضية عصية في علم النفس، ليقول لنا أن الشجاعة لاتكمن في توطين النفس على خوض الصعاب والتعرض لمكامن الخطر بقلب قوي، وجنان ثابت، ولكنه يقدم تفسيرا لا تدركة الحواس المادية فهو روح تتعالى على الدنيا، وتجافي ماديات الواقع اليومي، لترتقي في عوالم الملكوت، وليقول لنا أن الشجاعة في الايمان، وكيف لا وهو احد ركائز الايمان بل هو الايمان مجسدا في رجل.
السر السابع:
أن يتزوج علي فاطمة عليهما السلام، أن تلتقي الشموس بالشموس، والعلياء بالعلياء، أن تتزاوج النفوس والارواح، أن يلتقي الطهر بالطهر، ويسكن الكمال البشري إلى مثله، وأن يكون العقد سماويا في عالم الملكوت قبل ان يحتفل به في عالم الوجود الارض، وبعد لايمكن أن يكون الناتج إلا في في مستوى هذا الطهر ممثلا لعنوان الكمالات، متعاليا عن رذائل الدنيا، ومحفوظا في سجل الملكوت الاعلى، فكذا كان السبطين كما كان الابوين، وكذا كانت العقيلة زينب عليها السلام.
السر الثامن:
هل كان علي شجاعا؟ سؤال يجب أن لايطرح! فعلي قد تجاوز مفهوم الشجاعة بالمعنى المتداول، وقدم لنا نموذجا فريدا جمع فيه الاخلاق وقوة النفس والبراعة والشدة وقدرة غير متناهية على التحمل، حتى جب شجاعة من قبله و وأعسر من بعده على بلوغ سواحل قدراته في اصعب المواقف، واحلك الساعات، وأكثر المواقف قسوة، ففي ليلة الهرير (8) مدوا له (للامام علي) عليه السلام نطعا فصلى عليه بين الصفين
(بين جيشه وجيش معاوية) والنصال تمر على صدغيه فلم يوقف صلاته حتى اتمها. فاي رجل غير علي امتلأ قلبه ايمانا حتى يفعل ما فعل؟
السر التاسع:
يقول العقاد: " كان ملاك الامر في اخلاق علي (عليه السلام) أنه كان لايتكلف إظهار شيء، ولا يتكلف إخفاء شيء، ولايقبل التكلف حتى من مادحيه، فربما أفرط الرجل في الثناء عليه وهو متهم عنده، فلايدعه حتى يعلن له طويته ويقول له: " أنا دون ما تقول وفوق ما في نفسك "، (9) إذ كان خلقه كخلق رسول الله، وخلق رسول الله هو خلق القرآن.
السر العاشر:
يقول الشهرستاني: " ما سل سيف في قضية كما سل في الامامة "،
(10) يكشف الشهرستاني حقيقة الموقف التاريخي في علاقة بقية المذاهب من الامام علي عليه السلام لارتباط قضية الامامه به، زمن هنا حاولوا طمس فضائلة التي جاء بها القرآ، وقالت بها السنة المطهرة، والبسوا اقواما القابا وصفات هي من خصائص الامام علي عليه السلام، فسموا ذك الصديق وعلى هو الصديق الاكبر بنص الرسول الخاتم(صلى الله عليه واله وسلم)، وسموا الثاني الفاروق، وعلي هو الفاروق الاعظم، بقول النبي محمد صلوات الله عليه وآله، ولكن ماذا نقول وفي القلوب هنات من هنات الجاهلية وفي النفوس غيض من شدة علي في دينه، ومن نكال سيف علي الذي اباد جاهلية القوم.
السر الحادي عشر:
هل كان يصلح للخلافة غيره!؟ لو عمل الناس عقولهم وتخلوا عن جاهلية الفكر لعلموا أن ليس لها غير أبي الحسن، لكنهم خانوا بيعتهم له في غدير خم وخالفوا النص الالهي والسنة المطهرة واختاروا لانفسهم من حيث لم يختر الله لهم وقالوا ان الرسول الخاتم لم يوصي، وكيف والقرآن الذي أنزل على محمد صلوات الله عليه وآله يقول: " كتب عليكم إ حضر احدكم الموت إن ترك خيرا الوصية ". (11) هل خالف الرسول الخاتم النص الالهي؟ كيف له أن يخالف وهو يدعو الناس للقرآن!؟ كلا ولكنها الضغائن في النفوس.
السر الثاني عشر:
للشهادة رجالها، ولا اعاظم الرجال اعظم مراتب الشهادة، ومن هنا فان طلب الشهادة على يد شرار الخلق سيرفع من مرتبة الشهيد، فكلما تباين الفارق الايماني بين القاتل والشهيد، كانت للشهيد مرتبة عليا وللقاتل مرتبة دنيا فيهوي في قاع الجحيم وزالشهيد سيرقى في علييين: " كلآ إن كتاب الابرار لفي عليين * وما ادراك ما عليون * كتاب مرقوم * يشهده المقربون * إن الابرار لفي نعيم ". (12)
تلك لمحة من أسرار أمير المؤمنين(عليه السلام)، يعسوب الدين، وقائد الغر المحجلين، زوج البتول وابو السبطين الامامين الحسن والحسين، سيف الله الغالب علي بن أبي طالب عليه وعليهم السلام.
..............................
•1- في اسلام ابي طالب (رضوان الله عليه)، يقول مهدي الحائري المازندراني: " وقد اجمع أهل البيت على أن أبي طالب مات مسلما وأجماعهم حجة " . راجع هدية الابرار/204. ويقول أيضا: " ولكن القوم عادوا عليا (عليه السلام) فلم يجدوا فيه مقالا فرموا اباه بالكفر عداوة لعلي (عليه السلام)، أنظر هدية الابرار/205.
•2- ينقل القزويني، محمد كاظم، عن أمالي الطوسي عن الامام جعفر الصادق (عليه السلام): " كان العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب جالسين ما بينفريق منبني هاشم إلىفريق بني عبد العزى بازاء البيت الحرام، إذا أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم، وكانت حاملة بأمير المؤمنين (عليه السلام) لتسعة أشهر، وكان يوم التمام، فوقفت بإزاء البيت الحرام وقد أخذها الطلق ورمت بطرفها نحو السماء وقالت: " يارب أني مؤمنة بك وبكل كتاب أنزلته، وبكل رسول أرسلته، ومصدقة بكلامك وبكلام جدي أبراهيم الخليل (عليه السلام) وقد بنى بيتك العتيق، وأسألك بحق أنبيائك ورسلك وملائكتك المقربين وبحق هذا الجنين الذي في أحشائي ألا يسرت علي ولادتي". فانشق الجدار (جدار الكعبة) من الجانب الذي بات يعرف (بالمستجار). أنظر الامام علي من المهد إلى اللحد/14-15.
•3- المصدر السابق/15.
•4- البقرة/127.
•5- الشعراء/214.
•6- راجع نصري سلهب، في خطى علي/130.
•7- البقرة/207.
•8- ليلة الهرير: احدى معارك حرب صفين، حيث امتدت المعركة من الصباح حتى حل الليل، وكانوا يقاتلون في الظلام ويعرف احدهم الاخر بالشعار.
•9- راجع، العقاد، عبقرية الامام علي/27-28.
10-راجع الملل والنحل.
11-البقرة/180.
12-المطففين/18-22.
د. علي إبراهيم
● ● ●
● ●
●
توطئة في الاسرار:
علي بن ابي طالب عليهم السلام، شخصية حارت فيها العقول، وتداعت لها النفوس، وهوت عند اقدامها العلوم، ولعل ارتباط شخصية الامام علي عليه السلام بقضية الامام كأحد معتقدات الشيعة الامامية قد اوغر عليه الصدور وهو من هو في العلم والشجاعة والفقاهة، وهو من هو في الشرف والكرامة، فهو اخو الرسول الخاتم وحامل لوائه في الدنيا والاخرة وهو الشاهد والشهيد. فوجوده كان سرا علويا وحياته كانت كنزا من الاسرار فالسلام عليه يوم ولد في البيت الحرام ويوم جاهد وناصر وحامى الرسالة وصاحبها ويم استشهد في بيت من بيوت الله ويوم يبعثا حيا.
السر الاول:
لم يكن ابو طالب عليه السلام مجرد رجل آخر في قريش بل كان من تلك الشجرة الطاهرة من ولد ابراهيم الخليل عليه السلام، وهو من قال فيه ولده الامام علي عليه السلام: " ما ساد فقير في قريش غير ابو طالب ". كان كأبيه عبد المطلب موحدا، (1) يتبع حنيفية ابراهيم الخليل، شريف النفس أبيا، حمل الشق الثاني من السر الاعظم الذي توارثه الانبياء والرسل، فالنور الذي حمله آدم عليه السلام كان قد وصل إلى عبد المطلب، فانشق نصفين، نصف في عبد الله أبو النبي الخاتم ونصف في ابو طالب وهما اخوان لام وأب. ومن هنا دافع عن الرسالة وصاحبها وفداها بكل غالي وثمين، وهل أغلى من الولد، فكان ولداه علي وجعفر جناحي الرسول الخاتم ويده التي يصول بها. فعلي باب العلم، وجعفر أول سفير للرسالة الخاتم الى الحبشة. فالسلام عليه يوم ولد ويوم حامى ودافع عن الرسالة وصاحبها ويوم مات مؤمنا ومن الصالحين ويوم يبعث حيا.
السر الثاني:
فاطمة بنت أسد،رضوان الله عليها إمراة أولدتها الفحولة، وحملها خير ارحام عصرها، فما ادراك ما بني أسد ثم ما أدراك، وهل كانت تليق إمرأة أخرى في عصرها ليولدها ابو طالب عليا، حيث اجتمع النفيس بالنفيس، فهل لغير فاطمة أتت البشارة بولادة الوصي؟! وهل لغير فاطمة إنشق جدار البيت الحرام.
(2) فبقيت فيه ثلاثة أيام وخرجت كما دخلا حيث إنشق الجدار في نفس الموضع، وحدثت السيد الجليلة فاطمة بنت أسد بما جرى عليها في الكعبة، قالت: "فجلست على الرخامة الحمراء ساعة، وإذا أنا قد وضعت ولدي علي بن أبي طالب (عليه السلام)ولم اجد وجعا ولا ألما ". (3)
السر الثالث:
البيت الحرام، بيت الله العتيق، أول بيت بنى ليعبد الله فيه، مهبط الملائكة ومنزل الوحي، بناه ابراهيم بيده واسماعيل عليهم السلام: " وأذ يرفع إبراهيم البيت واسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم "، (4) مجمع الاسلام ومطاف الحاج، ومن اليه تهفو القلوب والنفوس والاوهام، بيت حرمته في السماء تهبط اليه انوار العرش، وتصعد منه أدعية البشر في معارج النور راجية رحمة رب العزة، الله لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، هناك في الثالث عشر من رجب قبل المبعث بعشر سنوات، تخرج فاطمة بنت اسد وهي تتبع نداء ربانيا ووحيا خفيا، وكيف لا وهي تنادي الله بحنيفية جدها ابراهيم الخليل باني البيت العتيق، هناك وهي في الطواف ينشق الجدار لتلج فاطمة وحملها في رحم البيت الحرام. هناك يولد الشق الثاني من النور، هناك يولد علي عليه السلام.
السر الرابع:
رجب الشهر الحرام، شهر سماه النبي شهر علي، فقال صلوات الله عليه وآله: " رجب شهر علي، وشعبان شهري، ورمضان شهر الله " ذاك شهر رجب (الارجب) حرمة من حرم الله، ورحمة من واسع رحمته فيه تستجاب الدعوات وتهب من لدن الرحمن الرحمات، ويقترب المؤمن من جلال الله ليكون في ظلال رحمته الواسعة. فأي شهر هذا الذي يولد فيه وليد الكعبة ومعجزة من معاجز النبوة الخاتم ليكون اخو النبي ووزيره وشبيه هارون بن عمران، وليحمل أعباء الهداية في تمام الرسالة الخاتم.
السر الخامس:
يأمر الله نبيه: " وأنذر عشيرتك الاقربين"،(5) من بين كل رجالات قريش، أثريائها، تجارها، شجعانها، واعلامها يخرج الفتى علي ليعلن ولائه ومؤازرته للدعوة الاسلامية وصاحبها الرسول الخاتم، وهنا يقول نصري سلهب: " وفي ابن ابي طالب كان بعض رسالته (رسالة الرسول الخاتم)، كان شعاع في روحه منها قطرات لاتجف مدى الدهر ".(6) أي سر فيك أيها العظيم فكرا ووجدانا ونفسا عالية!؟ أي سر يا فتى الاسلام!؟ سينحني لك التاريخ مادام الوجود باقيا، وستصبح في هذه المؤازرة نظيرا لهارون عليه السلام.
السر السادس:
يقول الحق سبحانه: " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد ". (7) هنا يثبت لنا امير المؤمنين )عليه السلام قضية عصية في علم النفس، ليقول لنا أن الشجاعة لاتكمن في توطين النفس على خوض الصعاب والتعرض لمكامن الخطر بقلب قوي، وجنان ثابت، ولكنه يقدم تفسيرا لا تدركة الحواس المادية فهو روح تتعالى على الدنيا، وتجافي ماديات الواقع اليومي، لترتقي في عوالم الملكوت، وليقول لنا أن الشجاعة في الايمان، وكيف لا وهو احد ركائز الايمان بل هو الايمان مجسدا في رجل.
السر السابع:
أن يتزوج علي فاطمة عليهما السلام، أن تلتقي الشموس بالشموس، والعلياء بالعلياء، أن تتزاوج النفوس والارواح، أن يلتقي الطهر بالطهر، ويسكن الكمال البشري إلى مثله، وأن يكون العقد سماويا في عالم الملكوت قبل ان يحتفل به في عالم الوجود الارض، وبعد لايمكن أن يكون الناتج إلا في في مستوى هذا الطهر ممثلا لعنوان الكمالات، متعاليا عن رذائل الدنيا، ومحفوظا في سجل الملكوت الاعلى، فكذا كان السبطين كما كان الابوين، وكذا كانت العقيلة زينب عليها السلام.
السر الثامن:
هل كان علي شجاعا؟ سؤال يجب أن لايطرح! فعلي قد تجاوز مفهوم الشجاعة بالمعنى المتداول، وقدم لنا نموذجا فريدا جمع فيه الاخلاق وقوة النفس والبراعة والشدة وقدرة غير متناهية على التحمل، حتى جب شجاعة من قبله و وأعسر من بعده على بلوغ سواحل قدراته في اصعب المواقف، واحلك الساعات، وأكثر المواقف قسوة، ففي ليلة الهرير (8) مدوا له (للامام علي) عليه السلام نطعا فصلى عليه بين الصفين
(بين جيشه وجيش معاوية) والنصال تمر على صدغيه فلم يوقف صلاته حتى اتمها. فاي رجل غير علي امتلأ قلبه ايمانا حتى يفعل ما فعل؟
السر التاسع:
يقول العقاد: " كان ملاك الامر في اخلاق علي (عليه السلام) أنه كان لايتكلف إظهار شيء، ولا يتكلف إخفاء شيء، ولايقبل التكلف حتى من مادحيه، فربما أفرط الرجل في الثناء عليه وهو متهم عنده، فلايدعه حتى يعلن له طويته ويقول له: " أنا دون ما تقول وفوق ما في نفسك "، (9) إذ كان خلقه كخلق رسول الله، وخلق رسول الله هو خلق القرآن.
السر العاشر:
يقول الشهرستاني: " ما سل سيف في قضية كما سل في الامامة "،
(10) يكشف الشهرستاني حقيقة الموقف التاريخي في علاقة بقية المذاهب من الامام علي عليه السلام لارتباط قضية الامامه به، زمن هنا حاولوا طمس فضائلة التي جاء بها القرآ، وقالت بها السنة المطهرة، والبسوا اقواما القابا وصفات هي من خصائص الامام علي عليه السلام، فسموا ذك الصديق وعلى هو الصديق الاكبر بنص الرسول الخاتم(صلى الله عليه واله وسلم)، وسموا الثاني الفاروق، وعلي هو الفاروق الاعظم، بقول النبي محمد صلوات الله عليه وآله، ولكن ماذا نقول وفي القلوب هنات من هنات الجاهلية وفي النفوس غيض من شدة علي في دينه، ومن نكال سيف علي الذي اباد جاهلية القوم.
السر الحادي عشر:
هل كان يصلح للخلافة غيره!؟ لو عمل الناس عقولهم وتخلوا عن جاهلية الفكر لعلموا أن ليس لها غير أبي الحسن، لكنهم خانوا بيعتهم له في غدير خم وخالفوا النص الالهي والسنة المطهرة واختاروا لانفسهم من حيث لم يختر الله لهم وقالوا ان الرسول الخاتم لم يوصي، وكيف والقرآن الذي أنزل على محمد صلوات الله عليه وآله يقول: " كتب عليكم إ حضر احدكم الموت إن ترك خيرا الوصية ". (11) هل خالف الرسول الخاتم النص الالهي؟ كيف له أن يخالف وهو يدعو الناس للقرآن!؟ كلا ولكنها الضغائن في النفوس.
السر الثاني عشر:
للشهادة رجالها، ولا اعاظم الرجال اعظم مراتب الشهادة، ومن هنا فان طلب الشهادة على يد شرار الخلق سيرفع من مرتبة الشهيد، فكلما تباين الفارق الايماني بين القاتل والشهيد، كانت للشهيد مرتبة عليا وللقاتل مرتبة دنيا فيهوي في قاع الجحيم وزالشهيد سيرقى في علييين: " كلآ إن كتاب الابرار لفي عليين * وما ادراك ما عليون * كتاب مرقوم * يشهده المقربون * إن الابرار لفي نعيم ". (12)
تلك لمحة من أسرار أمير المؤمنين(عليه السلام)، يعسوب الدين، وقائد الغر المحجلين، زوج البتول وابو السبطين الامامين الحسن والحسين، سيف الله الغالب علي بن أبي طالب عليه وعليهم السلام.
..............................
•1- في اسلام ابي طالب (رضوان الله عليه)، يقول مهدي الحائري المازندراني: " وقد اجمع أهل البيت على أن أبي طالب مات مسلما وأجماعهم حجة " . راجع هدية الابرار/204. ويقول أيضا: " ولكن القوم عادوا عليا (عليه السلام) فلم يجدوا فيه مقالا فرموا اباه بالكفر عداوة لعلي (عليه السلام)، أنظر هدية الابرار/205.
•2- ينقل القزويني، محمد كاظم، عن أمالي الطوسي عن الامام جعفر الصادق (عليه السلام): " كان العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب جالسين ما بينفريق منبني هاشم إلىفريق بني عبد العزى بازاء البيت الحرام، إذا أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم، وكانت حاملة بأمير المؤمنين (عليه السلام) لتسعة أشهر، وكان يوم التمام، فوقفت بإزاء البيت الحرام وقد أخذها الطلق ورمت بطرفها نحو السماء وقالت: " يارب أني مؤمنة بك وبكل كتاب أنزلته، وبكل رسول أرسلته، ومصدقة بكلامك وبكلام جدي أبراهيم الخليل (عليه السلام) وقد بنى بيتك العتيق، وأسألك بحق أنبيائك ورسلك وملائكتك المقربين وبحق هذا الجنين الذي في أحشائي ألا يسرت علي ولادتي". فانشق الجدار (جدار الكعبة) من الجانب الذي بات يعرف (بالمستجار). أنظر الامام علي من المهد إلى اللحد/14-15.
•3- المصدر السابق/15.
•4- البقرة/127.
•5- الشعراء/214.
•6- راجع نصري سلهب، في خطى علي/130.
•7- البقرة/207.
•8- ليلة الهرير: احدى معارك حرب صفين، حيث امتدت المعركة من الصباح حتى حل الليل، وكانوا يقاتلون في الظلام ويعرف احدهم الاخر بالشعار.
•9- راجع، العقاد، عبقرية الامام علي/27-28.
10-راجع الملل والنحل.
11-البقرة/180.
12-المطففين/18-22.
د. علي إبراهيم