تقول صاحبة القصة التي حصلت معها: وأنا أصلي بالحرم وإذ بسيدة كبيرة بالسن تصلي وتبكي وتدعو الله تعالى وتبكي.. استغربت وقلت في نفسي: لا بد أن لها حادثة أليمة! وكان بين الحين والحين يأتيها شاب يكلمها ويغادر، يقضي لها حاجاتها ويذهب.. بصراحة أخذ مني الفضول مأخذه، فجلست بجانبها وسألتها: لماذا تبكين؟.. عسى الداعي خيراً؟! فردت: لا شيء.
فزادني ذلك إصراراً، وأعدت الكرة ثانية وثالثة، إلى أن قالت: والله من العذاب الذي يؤرقني! فقلت: ولمَ ذلك؟ فقالت: أقول لك قصتي وبعدها احكمي.
وبدأت تسرد حقيقة غمّها والدموع لا تكف: كنت متزوجة من شخص رائع يحبني ويحترمني.. لكني لم أنجب، والله تعالى لم يرزقني الاولاد، فأشرت عليه أن يتزوج من امرأة ثانية.. لم يقبل في البداية، ولكنه مع إلحاحي المستمر وافق، وقمت بنفسي أبحث له عن زوجة، وتم الزواج.
لكن لمجرد ما تزوجها شبّت نار الغيرة في قلبي، أخذ يميل لها وخاصة بعد أن حملت وأنجبت له ولداً.. زوجي بالطبع فرح كثيراً، مما زاد في لوعتي فأنا التي أشرت عليه وتسببت بالشقاء ونار الغيرة لنفسي.
وفي يوم جاء زوجي وقال: سأسافر مع ضرّتك في رحلة ولكني سأترك الولد عندك، فوافقت طبعاً، وكان الوقت شتاءً.. وكان الجمر يملأ الموقد والولد عمره تقريباً أحد عشر شهراً وكان في ذلك الوقت يحبو ويلعب، والنار تلعب في قلبي وتجعله كجمر الموقد.. كيف يأخذها في رحلة وأنا أجلس مع ابنهما؟! وفجأة وإذ بالولد يمد يده ليلعب بالجمر،ومن ناري وغيرتي أمسكت يده وغمستها أكثر بالجمر.. لا أستطيع أن أصف لك كيف كان منظر يد الطفل حين سحبتها من الجمر، في الوقت الذي انسحبت الغيرة من قلبي وانطفأت النار في داخلي.. أسعفت الطفل إلى المستشفى، ولكن وفي نفس الليلة يأتيني خبر وفاة بعلي وزوجته الثانية إثر حادث سيارة وهما في طريق العودة.
وبقيت وحيدة مع هذا الطفل المسكين، هذا الذي ترينه يأتيني بين الحين والآخر.. ربي وحده العالم كيف كانت أيامي بعد ذلك الحادث.. ربّيته وحنوْت عليه وكأنه من لحمي ودمي، وشبّ وأصبح عوني وسندي يرعاني ويحنو عليّ ويناديني ب (أمي).. ولكنّ العذاب ما زال يلازمني كلما رأيت يده المشوهة.. وها أنا أدعو ربي علّه تبارك وتعالى يسامحني ويذهب عني الحزن، في الوقت الذي صار لي أعزّ من الولد.
وما هي إلا لحظات ويأتي الشاب مخبئاً يده في جيبه ويقول: يا الغالية.. أنذهب الحين؟
أليــمه . . . !
|